ثم قال: وهل الأفضل التفريق بنفسه أو الدفع إلى الإمام العادل؟ [ومازال الكلام في زكاة الذهب والفضة والركاز وعروض التجارة وزكاة الفطر] فيه وجهان، أصحهما عند الجمهور الدفع إلى الإمام، لأنه يتيقن سقوط الفرض بهذا الدفع، بخلاف تفريقه بنفسه، فقد يصادف التفريق غير مستحق، ولأن الإمام أعرف بالمستحقين، وبالمصالح، ويقدر الحاجات، وأعرف بمن أخذ من قبل ومن لم يأخذ. ولأن الإمام يقصد من المحتاجين والمستحقين لها.
وظاهر نص الشافعي أن تفريقها بنفسه أفضل، فقد قال في "المختصر": وأحب أن يتولى الرجل قسمها بنفسه، ليكون على يقين من أدائها عنه. والله أعلم.
أما الأموال الظاهرة، وهي الماشية والزروع والثمار ففي تفريقها بنفسه أو دفعها إلى الإمام قولان:
القول الأول: يجب دفعها إلى الإمام، وإن كان الإمام جائراً، فإن فرقها بنفسه لزمه الضمان إن طلبها الإمام، لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} ولأنه مال للإمام فيه حق المطالبة، فوجب الدفع إليه، كالخراج والجزية، ولأنه مع الجور نافذ الحكم، وتسقط تبعة المزكي ولو كان الإمام جائراً.
فقد روى الإمام أحمد في "مسنده" عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال: "نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله ولك أجرها، وإثمها على من بدلها". وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: "اجتمع عندي نفقة فيها صدقة -يعني بلغت نصاب الزكاة- فسألت سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري أن أقسمها أو أدفعها إلى السلطان؟ فأمروني جميعاً أن أدفعها إلى السلطان، ما اختلف علي منهم أحد". وفي رواية: "فقلت لهم: هذا السلطان يفعل ما ترون، فأدفع إليه زكاتي؟ فقالوا كلهم: نعم. فادفعها". رواه سعيد بن منصور في "مسنده".
وروى أبو داود عن جابر بن عتيك الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا أتوكم فرحبوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون، فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها، وارضوهم، فإن تمام زكاتكم رضاهم، وليدعوا لكم".
وروى البيهقي بإسناد صحيح أو حسن عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه الله أمركم، فمن بر فلنفسه، ومن أثم فعليها".
وروى البيهقي أيضاً بإسناد صحيح أو حسن عن قزعة مولى زياد بن أبيه أن ابن عمر قال: "ادفعوها إليهم وإن شربوا الخمر". ولا خلاف في سقوط التبعة عن المالك في هذه الحالة وإن جار الإمام".
القول الثاني: في زكاة الأموال الظاهرة أن المالك له تفريقها بنفسه وإن كان الأفضل دفعها إلى الإمام خروجاً من خلاف من أوجبه، لكنه إن فرقها لا يضمن. انتهى بتصرف.
والله أعلم