هذه شعبة من شعب فوائد الإنفاق التي تعود على صاحبها في الدنيا.

الشعبة الثانية أن المنفق تسخو نفسه، وتصفو روحه، وتنمو قناعته، وتتسع عليه الحياة، ويحس بالراحة والسعادة، ويصبح من حوله من الناس أحباباً له، يحرصون على مصالحه، ويدفعون عنه ما عساه أن يضره، ويتمنون له الخير، ويقل أعداؤه ويزداد أمنه، يقول المنفلوطي في هذا المعنى: أحسن إلى الفقراء والمساكين، وأعدك وعداً صادقاً أنك ستمر في بعض لياليك على بعض الأحياء الخاملة فتسمع من يحدث جاره من حيث لا يعلم بمكانك أنك أكرم مخلوق وأشرف إنسان، ثم يعقب الثناء عليك بالدعاء لك أن يجزيك الله خيراً بما صنعت فيدعو صاحبه بدعائه. وهنالك تجد من سرور النفس وحبورها بهذا الذكر الجميل في هذا الحي الخامل ما يجده الصالحون إذا ذكروا في الملإ الأعلى. اهـ.

يصور هذه الشعبة أقوى تصوير الحديث (40)، (41)، (42) إذ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً للبخيل والمنفق، وشبههما برجلين يلبس كل منهما درعاً من حديد نسج في حلقات، يغطى من أعلى الكتفين إلى أسفل الثديين، مقيداً اليدين، فإذا ما تصدق المتصدق، وأنفق المنفق اتسع الدرع، وتمددت الحلقات حتى يصبح ثوباً واسعاً، يغطي اليدين حتى أطراف الأنامل دون أن يقيد حركتها، ويغطي جميع البدن، وينسدل حتى يغطي القدمين، بل يزيد شبراً يجر بالأرض، فيصبح هذا الرجل مستوراً، آمناً، موسعاً عليه، مرتاح النفس، حر الحركة، راضياً مرضياً، وإذا ما فكر البخيل في الإنفاق تراجع وأمسك، فيضيق الدرع وتنكمش الحلقات وتضيق، وتلتصق كل حلقة على مكانها من الجسد فتضايقه، حتى تغل يديه إلى عنقه، فيضيق تنفسه، يبيت في هم ماله، وعده وكيفية زيادته، وفي طريقة حفظه أو إخفائه عمن حوله، يبيت يعمل فيه كما يعمل السارق. هم وخوف بالليل، وانشغال بالنهار، إحساس بالفقر وهو غني، وشعور بالحاجة وعنده الكثير، الحياة ضيقة عليه مع سعة العيش، ونفسه يختنق وحوله الهواء، يبحث عن السعادة فلا يجدها، يتعب نفسه في توسيع الدرع فلا يتسع.

الشعبة الثالثة: أن المنفق يكتسب الرفعة والمكانة، ويعلو بنفسه بين أفراد المجتمع، فاليد المعطية فوق اليد الآخذة، "واليد العليا خير من اليد السفلى"، كما هو صريح الحديث (60) وقد قيل: أطعم الفم تستح العين، والإنسان عبد الإحسان، والآخذ كثيراً ما يذل ويخضع للمعطي، قال الشاعر:

خلقت عيوفاً لا أرى لابن حرة

على يدا أغضي لها حين يغضب

ويقول آخر:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان

الشعبة الرابعة: أن المنفق يسهم بشكل كبير في إصلاح بيئته؛ مما يعود عليه بالنفع لا محالة، فالتكافل الاجتماعي ليس في مصلحة الآخذ وحده في الدنيا بل في مصلحة المنفق أيضاً؛ بل قد يكون المستفيد بصفة أكثر، فقضاء مصالحه موقوف على عطائه، يصور هذه الشعبة أصدق تمثيل الحديث رقم (36) والحديث رقم (43) ففقراء مضر، ومظهر الشدة والحاجة التي جاءوا عليها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015