ولتوضيح المشبه به وتصويره نقول: رجلان كل منهما يلبس درعاً من حديد متشابك الحلقات، يغطي أعلى الصدر، ابتداء من حول العنق إلى أسفل الثديين دون أن يغطي اليدين، فهو يحمي جزءاً من الجسد، لكن أحدهما بسبب فعله تتسع الحلقات، وتمتد إلى اليدين حتى الأنامل، وإلى أسفل الجسم حتى أصابع القدمين، بل تزيد وتجر على الأرض، كل ذلك بسهولة ويسر، أما الآخر بسبب فعله تضيق الحلقات وتتداخل وتلتصق بالصدر في أماكنها، بل تجمع اليدين وتربطهما بالرقبة، ومهما حاول البسط والتوسعة لا تنبسط ولا تتسع.

أما المشبه فهو السخي المتصدق والبخيل الممسك، وأما وجه الشبه فقد ذكروا عنه أقوالاً:

الأول: السهولة واليسر في جانب، والصعوبة والمشقة في جانب آخر، وتوضيح التمثيل كما قال الخطابي: هذا مثل ضربه صلى الله عليه وسلم للجواد والبخيل، وشبههما برجلين، أراد كل واحد منهما أن يلبس درعاً يستجن بها، والدرع أول ما يلبس إنما يقع على موضع الصدر والثديين إلى أن يسلك لابسها يديه في كميه ويرسل ذيلها على أسفل بدنه، فيستمر سفلاً، فجعل صلى الله عليه وسلم مثل المنفق مثل من يلبس درعاً سابغة، فاسترسلت عليه، حتى سترت جميع بدنه وحصنته، وجعل البخيل كرجل يداه مغلولتان بين صدره، فإذا أراد لبس الدرع حالت يداه بينها وبين أن تمر سفلاً على بدنه واجتمعت الدرع في عنقه، فلزقت ترقوته، فكانت ثقلاً ووبالاً عليه، من غير وقاية له، وتحصين لبدنه. وحاصله أن الجواد إذا هم بالنفقة اتسع لذلك صدره وطاوعت يداه، فامتدتا بالعطاء، وأن البخيل يضيق صدره وتنقبض يده عن الإنفاق. اهـ.

وقريب منه ما قيل من أنه تمثيل لكثرة الجود والبخل، وأن المعطي إذا أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعود ذلك، فإذا أمسك صار ذلك عادة له.

وقريب من هذا قول الطيبي: شبه السخي إذا قصد التصدق يسهل عليه بمن عليه الجبة، ويده تحتها، فإذا أراد أن يخرجها منها يسهل عليه، والبخيل على عكسه والأسلوب من التشبيه المفرق.

الثاني: الستر في الدنيا والآخرة في جانب، وكشف العورة في الدارين في الجانب الآخر، وتوضيحه أن المنفق يستره الله بنفقته ويستر عوراته في الدنيا والآخرة كستر الجنة لابسها، والبخيل كمن لبس جبة إلى ثدييه، فيبقى مكشوفاً ظاهر العورة مفتضحاً في الدارين.

وقريب من هذا قول ابن بطال: يريد أن المنفق إذا أنفق كفرت الصدقة ذنوبه ومحتها كما أن الجنة إذا أسبغت عليه سترته ووقته، والبخيل لا تطاوعه نفسه على البذل، فيبقى غير مكفر عنه الآثام، كما أن الجنة تبقي من بدنه ما لا تستره، فيكون معرضاً للآفات.

الثالث: النماء في جانب والانكماش في الجانب الآخر، فهو تمثيل لنماء المال بالصدقة، والبخل بضده.

(ملحوظة) قال القاضي عياض: وقع في هذا الحديث أوهام كثيرة من الرواة، وتصحيف وتحريف، وتقديم وتأخير، ويعرف صوابه من الأحاديث والروايات الأخرى، فمن الأوهام "مثل المنفق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015