تحصن مثل الجنة، ويؤكد تصويب رواية "جنتان" بالنون قوله في الروايتين المشار إليهما: "من حديد". وقوله: "وأخذت كل حلقة موضعها" والكلام في "مثل رجلين عليهما جنتان من حديد" على التوزيع أي على كل رجل جنة.
(من لدن ثديهما إلى تراقيهما) "ثديهما" بضم الثاء وكسر الدال، جمع "ثدي" نحو فلوس وفلس، وأصله ثدوي، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء وأدغمت في الياء، وأبدلت الضمة كسرة لمناسبة الياء، وصح فتح الثاء "ثديهما" على إفراد الثدي، وفي رواية "ثدييهما" بالتثنية. والثدي يذكر ويؤنث، وهو للرجل والمرأة على المشهور. والتراقي جمع ترقوة ولكل إنسان ترقوتان. وهما العظمان المشرفان في أعلى الصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر.
(فإذا أراد المنفق أن يتصدق سبغت عليه أو مرت) "سبغت" أي امتدت وغطت، وقيل: كملت وتمت، ومعنى "مرت" بتشديد الراء أي مرت على الجلد بيسر وسهولة لتمتد. وقال النووي: كذا هو في النسخ "مرت" بالراء. قيل: إن صوابه "مدت" بالدال، بمعنى "سبغت" وكما قال في الحديث الآخر: "انبسطت" لكنه قد يصح "مرت" على نحو هذا المعنى، وقد رواه البخاري "مادت" من ماد إذا مال، ورواه بعضهم "مارت" ومعناه سالت عليه وامتدت. وقيل: معناه ترددت، ذهبت وجاءت، يعني لكمالها. اهـ.
وفي الرواية التالية "فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره". وفي التي بعدها "اتسعت عليه حتى تعفي أثره". وفي رواية البخاري "فلا ينفق إلا سبغت -أو وفرت- على جلده، حتى تخفي بنانه وتعفو أثره" والبنان والأنامل أطراف أصابع اليدين، و"تعفو أثره"، أي وتمحو أثر مشيه لطولها، فمرور ذيل الثوب وجره على الأرض يمحو أثر الأقدام عليها. وقيل: معنى "يمحو أثره" يذهب بخطاياه ويمحوها، والصواب الأول.
(وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت عليه وأخذت كل حلقة موضعها، حتى تجن بنانه، وتعفو أثره) "تجن بنانه" بضم التاء وكسر الجيم ثم النون المشددة، أي حتى تستر بنانه. قال النووي: في هذا الكلام اختلال كثير، لأن قوله "تجن بنانه وتعفو أثره" إنما جاء في المتصدق، لا في البخيل، وهو ضد وصف البخيل بقوله: "قلصت كل حلقة موضعها" فإدخاله في وصف البخيل أخل بالكلام وتناقض. اهـ وفي الرواية التالية "كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة مكانها"، وفي التي بعدها "وإذا هم البخيل بصدقة تقلصت عليه وانضمت يداه إلى تراقيه، وانقبضت كل حلقة إلى صاحبتها".
(يوسعها فلا تتسع) في الرواية التالية "قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأصبعه في جيبه -أي يضع أصبعه في فتحة صدر قميصه ويشد القميص، ويقول -"فلو رأيته" -وهو يحاول أن "يوسعها ولا توسع" أي لا تتوسع، وفي الرواية التي بعدها "فيجهد أن يوسعها فلا يستطع".