المال هم المقلون من الأعمال الصالحة إلا من فعل بماله هكذا وهكذا. يشير إلى التوزيع والإنفاق كما فعل في المرة الأولى، وفي رواية: "إلا من أعطاه الله خيراً فنفخ فيه يمينه وشماله، وبين يديه ووراءه، وعمل فيه خيراً".
لقد استقر في نفس أبي ذر أن صورة الولاة والأمراء ينبغي أن تحاكي صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن الرجل الذي يرى الخطأ ويسكت عنه، لقد فاتح معاوية ونصحه، وجاء له معاوية بالعلماء يناقشونه، يستدل أبو ذر بقوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} [التوبة: 34، 35].
ويقول معاوية: إن الآية في اليهود، ويقول أبو ذر: فيهم وفينا، ويقول العلماء: إن ما أدى زكاته ليس بكنز، ولا يدخل في الآية، ويقول أبو ذر: بل يدخل في الآية مادام في المسلمين فقراء، وتجاوزت دعوة أبي ذر معاوية وحاشيته إلى الأغنياء عامة، فأصبح يدخل على مجتمعاتهم فيقول: بشر الكانزين بكي في جنوبهم، ونفر منه الناس، فكتب معاوية إلى عثمان أن أبا ذر يفسد عليه حكمه في الشام، فأرسل إليه عثمان يدعوه إلى المدينة، فجاء فأبقاه عثمان فيها، فسار في المدينة بمثل ما سار عليه في دمشق، يمشي أخشن الجسد، أخشن الوجه، يلبس أخشن الثياب، لا يجد جماعة مجتمعين إلا ألقى عليهم وعيده فسخر منه الأغنياء، وأغروا به الصبيان يجتمعون حوله، ويمشون وراءه، ولم يكن يعبأ بكل ذلك، لكن عثمان رأى حرصاً عليه وعلى هدوء الناس بالمدينة أن يعرض عليه الحياة الهادئة بالربذة، وهي القرية الصغيرة التي كان يذهب إليها منذ أزمان، فذهب إليها وعاش فيها حتى مات رضي الله عنه وأرضاه.
-[المباحث العربية]-
(ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها) قيل: سمي الذهب ذهباً لأنه يذهب ولا يبقى، وسميت الفضة فضة لأنها تنفض، أي تنصرف وعاد الضمير منفرداً مؤنثاً "منها حقها" والمذكور اثنان: ذهب وفضة ذهاباً إلى المعنى، لا إلى اللفظ، فكل واحد منهما ذو عدد، دنانير ودراهم، على معنى لا يؤدي حق أفرادهما. وقيل: الضمير عائد على الفضة. وحذف الكلام عن الذهب اكتفاء، والمعنى لا يؤدي منها حقها، ولا يؤدي منه حقه، وتنكير "ذهب" و"فضة" قد يستدل به على وجوب الزكاة في عمومهما، مصوغاً أو مضروباً أو غيرها.
(إلا إذا كان يوم القيامة) "كان" تامة، و"يوم القيامة" فاعلها، أي حتى إذا جاء يوم القيامة، والاستثناء مفرغ من عموم الأخبار، والتقدير: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي الزكاة مخبر عنه بخبر ما إلا بخبر كذا.
(صفحت له صفائح) أي صهرت وبسطت صفائح وحمي عليها في النار حتى تصير كالنار.