وكان من الطبيعي أن يسأل أهل الخيل عن زكاة الخيل، حيث لم يتعرض لها صلى الله عليه وسلم، فأجابهم: الخيل تستخدم في الدنيا لثلاث مهام: بعض الناس يربطها رياء وفخراً ومناوأة ومعاداة لأهل الإسلام فهي له وزر، في كل حركة من حركاتها إثم وجرم.
وبعض الناس يربطها ويعدها للجهاد في سبيل الله، يعني بمطعمها ومشربها وصحتها وتدريبها على الكر والفر، يعدها لنفسه خاصة، يبادر إليها عند الداعي، يعير فحلها، ويعين الناس بها، فهي له ستر من النار يوم القيامة.
وبعض الناس يربط خيله الكثيرة، ويعدها للمجاهدين الذين لا يجدون ولا يملكون، يوقفها على سبيل الله، ولأهل الإسلام، فهي له أجر وحسنات، ما تحركت في مرعاها وما سكنت في مربطها، إلا كتب له بذلك حسنات، بل يكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، بل إذا مرت على ماء فشربت حتى دون أن يقصد سقيها فله بعدد جرعاتها حسنات.
وهنا سأل أصحاب الحمر عن زكاة الحمر، فأجابهم صلى الله عليه وسلم أنها لم ترد فيها زكاة، وإنما تدخل في القاعدة العامة، الدعوة إلى الخير {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} [الزلزلة: 7].
ووضحت معالم الزكاة في الإسلام، ووضحت واجبات المال ومندوباته ووضح محرماته ومكروهاته ومباحاته، واستقرت أحكامه عند الصحابة.
لكن أبا ذر كان يرى في ذلك غير ما يراه جمهور المسلمين.
لقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش فقيراً، ويلزم أهل بيته الكفاف من العيش يمر الشهر والشهران ثلاثة أهله في شهرين ولا يوقد في بيته نار، لعدم وجود ما يطهى بالنار، وكان يوزع كل الفيء والغنائم والزكاة على المصارف التي شرعها الله.
ثم هو ذا أبو ذر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد عثمان يعيش في الشام، في دمشق مع معاوية بن أبي سفيان، أمير الشام، الذي يعيش في قصره كالملوك، بل كالأكاسرة والقياصرة من حيث النعيم والأبهة وزينة الحياة.
بدأ أبو ذر يقارن في نفسه بين رسول الله وقائده وحاكمه وبين معاوية. من أين لمعاوية ما هو فيه؟ أليس من مال المسلمين؟ ومن حول معاوية من الحاشية والمقربين؟ من أين لهم هذا الغنى؟ أليس من مال المسلمين؟ .
إنه يتذكر ليلة مشى مع النبي صلى الله عليه وسلم في حصباء المدينة، ساعة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر. قال لبيك يا رسول الله قال: انظر إلى جبل أحد فنظر. قال صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر. ما أحب أن مثل جبل أحد هذا عندي ذهباً، أبيت ثلاث ليال وعندي منه شيء. إلا دينار أرصده لدين علي، بل أوزعه على عباد الله هكذا وهكذا. يحثو بيده صلى الله عليه وسلم قابضة ويفرغها جهة اليمين تارة وجهة الشمال أخرى. ثم تابعا السير فترة فقال: يا أبا ذر. فقال: لبيك يا رسول الله. قال: إن المكثرين من