"إنما لابن آدم من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأقنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس".

وما الناس إلا جامع أو مضيع

وذو نصب يسعى لآخر نائم

نصيبك مما تجمع الدهر كله

رداءان تلوى فيهما وحنوط

والكيس من أخذ من دنياه لآخرته، وعمل في ماله لما بعد موته، والغافل من خدعه ماله وأشرب حبه في قلبه، وجمعه وعدده، واكتنزه ولم يخرج زكاته، ولم يشكر نعمة ربه فلم يعط الفقراء والمساكين ما فرضه الله لهم فيه.

وعيد مخيف تصوره الأحاديث، ما من صاحب ذهب ولا فضة يجمع نصاباً يحول عليه الحول لا يخرج زكاته حتى يموت إلا جاء يوم القيامة وقد صفح هذا المال في هيئته صفائح، في هيئة ألواح حديدية سميكة، يحمى عليها في نار جهنم حتى تصير ناراً حمراء، يكوى بها جبين صاحبها، فتخرج النار من خلف رأسه ويكوى بها جنبه، فتخرج النار من جنبه الآخر، ويكوى به صدره وبطنه فتخرج النار من ظهره، توضع على ثدييه حتى تخرج من عظم كتفيه، وتوضع على عظم كتفيه فتخرج من حملة ثدييه، لا تبرد أبداً، بل كلما بردت قطعة كانت الأخرى جاهزة موقدة، تحل محلها، ثم تعود الأولى ناراً كما كانت، وإلى متى هذا العذاب وهذا الكي؟ لقد تمتع هذا المسكين بماله عدد سنين، لا تتجاوز الستين، فكم يوماً وكم سنة يحرق بماله؟ لنفرض أنه سيعذب يوماً واحداً، لكن مقدار هذا اليوم خمسون ألف سنة، فيالهول العذاب؟ ؟ ؟ ؟ ويالهول الزمن! ! ! ! .

ويا ليت عذاب الكانز يقتصر على هذا. فإن عذاباً آخر في انتظاره، عذاب الرعب والإهانة والسخرية والتوبيخ بعد عذاب الكي بالنار، يحول الله ماله إلى ثعبان كبير أسود، له على جانبي رأسه قرنان مملوءان سماً وناراً حامية، ويحمل في شدقيه أنياباً كأسنان الرمح، فيفتح فاه، ويجري وراء صاحبه، وصاحبه يفر منه هنا وهناك يناديه الثعبان بصوت مزعج رهيب، لا خلاص لك ولا مهرب، هذا مالك في بطني فتعال خذه فأنا لا أحتاجه، هذا كنزك في أحشائي، ولا بد أن تدخل يدك في فمي لعلك تخرجه، فإذا أيقن الكانز أن لا مهرب ولا مفر، أدخل يده في فم الثعبان، فقضمها الثعبان بأنيابه الحادة الموقدة، لا هو يقطعها، ولا هو يدعها، حتى يقضي الله أمره.

هذا عذاب كانز المال، أما جامع الإبل والبقر والغنم الذي لم يؤد حق الله فيها ولم يخرج زكاتها فإن الله يجمعها له يوم القيامة، كاملة العدد، لا ينقص منها رضيعاً، كاملة الخلقة، ليس فيها مكسورة القرن، كأقوى حالة كانت عليها في الدنيا، يجمعها في ساحة كبيرة، ويؤتي بصاحبها، فيقعد القرفصاء، لا يستطيع حراكاً أو فكاكاً، فتنطحه بقرونها وتعضه بأفواهها، ثم تبطحه وتلقيه على وجهه، فتطؤه بأظلافها، تمر عليه واحدة واحدة، كلما انتهت أخراها عادت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي الله بين العباد فينصرف إلى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015