وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ظاهره أنها رؤية عين، فمنهم من حمله على أن الحجب كشفت له دونها، فرآها على حقيقتها، وطويت المسافة بينهما، حتى أمكنه أن تناول منها، وهذا أشبه بظاهر الخبر، ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط، كما تنطبع الصورة في المرآة، فرأى جميع ما فيها، ويؤيده حديث أنس الآتي في التوحيد: "لقد عرضت على الجنة والنار آنفاً في عرض الحائط وأنا أصلي". وفي رواية: "لقد مثلت". ولمسلم: "ولقد صورت".
ثم قال: وأبعد من قال: إن المراد بالرؤية رؤية العلم. قال القرطبي: لا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها، لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا، فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكاً خاصاً به، أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما.
(حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة) في الرواية الثامنة: "فعرضت على الجنة، حتى لو تناولت منها قطفاً أخذته". أو قال: "تناولت منها قطفاً فقصرت يدي عنه". وفي الرواية التاسعة: "ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن لا أفعل". وفي الرواية الرابعة عشرة: "إني رأيت الجنة، فتناولت منها عنقوداً -أي حاولت أن أتناول- ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا". والقطف بكسر القاف العنقود، وهو فعل بمعنى مفعول، أي مقطوف، كالذبح بكسر الذال يعني المذبوح.
(حين رأيتموني جعلت أقدم) قال النووي: ضبطناه بضم الهمزة وفتح القاف وكسر الدال المشددة، ومعناها أقدم نفسي، أو أقدم رجلي، وضبطه جماعة بفتح الهمزة وإسكان القاف وضم الدال، من الإقدام، وكلاهما صحيح.
(يحطم بعضها بعضاً) أي يكسر بعض وقودها بعضاً، لشدة لهيبها واضطرابها، كأمواج البحر التي يعلو بعضها بعضاً لعنفها وتدافعها.
(ورأيت فيها ابن لحي) بضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء، وفي بعض النسخ عمرو بن لحي.
(وهو الذي سيب السوائب) أي أطلق النوق للأصنام، وجعلها للسدنة ترعى في أي مرعى، لا يعرض لها أحد، ولا يشرب لبنها إلا السدنة وابن السبيل فهي موقوفة على الأصنام، وقد أنكر الله على أهل الجاهلية ذلك فقال: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} [المائدة: 103].
(فبعث منادياً الصلاة جامعة) أي بعث من ينادي: الصلاة جامعة.
وهما منصوبان، "الصلاة" على الإغراء، و"جامعة على الحال، أي احضروا الصلاة حال كونها جامعة، أي ذات جماعة، وقيل برفعهما، "الصلاة" على الابتداء، و"جامعة" على الخبر، وفي الرواية الثامنة عشرة "نودي بالصلاة جامعة" بنصب "الصلاة" و"جامعة" كما سبق، ولم يجر بالباء لأن الجملة قصد حكايتها.