يتعمدون ترك سماع خطبتهم، لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس، وقد زاد البخاري في مثل روايتنا التاسعة قول ابن مروان: "إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة".
وأيا كان أول من فعل ذلك، وأياً كان الدافع، فالصلاة صحيحة بعد الخطبة، والرواية التاسعة تدل على ذلك، فقد صلى أبو سعيد الخدري خلف مروان بعد الخطبة، ولولا صحتها لما صلاها معه. قال النووي: واتفق أصحابنا على أنه لو قدمها على الصلاة صحت، ولكنه يكون تاركاً للسنة مفوتاً للفضيلة، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتها عليها، لأن خطبة الجمعة واجبة، وخطبة العيد مندوبة. اهـ
وبناء على هذا لا يجب حضور الخطبة وإن كان مستحباً، يؤكد ذلك، ما رواه ابن ماجه بإسناد ثقات عن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال: "إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب".
الخامسة: خروج النساء إلى مصلى العيد، وفيه خلاف بين الفقهاء، وظاهر الرواية العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة، استحباب إخراج النساء إلى المصلى، حتى الشابات والمخبآت والحيض، على أن يكون الحيض بعيدات عن مصلى المسلمين غير مختلطات بالطاهرات، وهذا المنع منع تنزيه لا تحريم، لأن المصلى ليس مسجداً حتى يحرم على الحائض.
قال النووي عن خروج النساء إلى مصلى العيد: قال أصحابنا: يستحب إخراج النساء غير ذوات الهيئات والمستحسنات في العيدين، دون غيرهن، وأجابوا على إخراج ذوات الخدور والمخبأة بأن المفسدة في ذلك الزمن كانت مأمونة بخلاف اليوم، ولهذا صح عن عائشة -رضي الله عنها: "لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل". قال القاضي عياض: واختلف السلف في خروجهن للعيدين، فرأى جماعة ذلك حقاً عليهن، منهم أبو بكر وعلي وابن عمر وغيرهم -رضي الله عنهم- ومنهم من منعهن ذلك، منهم عروة والقاسم ويحيى الأنصاري ومالك في رواية عنه وأبو يوسف، وأجازه أبو حنيفة ومنعه مرة أخرى. اهـ.
وعبارة الشافعي في الأم: وأحب شهود العجائز وغير ذوات الهيئة الصلاة. ورواها بعضهم بغير واو العطف، أي وأحب شهود العجائز غير ذوات الهيئة. وحجة المانعين مطلقاً حديث عائشة وتغير الزمان، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه منسوخ، وأن ذلك كان أول الإسلام والمسلمون قليل، فأريد التكثير بحضورهن إرهاباً للعدو، وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك.
وقال الحافظ ابن حجر: والأولى أن يخص خروج النساء بمن يؤمن عليها وبها الفتن، ولا يترتب على حضورها محذور، ولا تزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامع. اهـ.
وقال البدر العيني المتوفى سنة 855 هـ: الغالب في هذا الزمان الفتنة والفساد، فينبغي أن يمنعن عن ذلك مطلقاً. اهـ.