فالأحاديث الخمسة الأولى ظاهرة في تعجيل صلاة الجمعة، وجمهور الفقهاء على أن وقت الجمعة هو وقت الظهر، ولا تجوز قبل الزوال خلافاً للإمام أحمد فقال: تجوز قبل الزوال. وروى عنه أنه قال: في الساعة الخامسة، أي قبل الزوال بساعة أو بساعتين، حيث قسمنا ساعات التبكير إلى الجمعة بخمس أو ست. وقال أصحاب أحمد: يجوز فعلها في الوقت الذي تفعل فيه صلاة العيد. قال العبدري: قال العلماء كافة: لا تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال إلا أحمد. اهـ.
واحتج له بروايتنا الأولى والثانية، إذ ظاهرهما أن الرجوع إلى النواضح والجمال كان عند الزوال، وكانت الصلاة قبله. كذا ويحتج له بالرواية الخامسة وظاهرها أن الصلاة وقعت قبل أن يكون للحيطان ظل، أي قبل الزوال.
وأجيب عن الرواية الأولى والثانية بأنهما إنما تخبران بأن الصلاة والرواح إلى جمالهم كانا حين الزوال، لا أن الصلاة قبله، فالمعنى كنا نصلي حين تزول الشمس وكنا نذهب إلى جمالنا حين تزول الشمس.
أما الرواية الخامسة: فمعناها ما نجد للحيطان فيئاً كثيراً يستظل به، وليس المقصود نفي الظل بالكلية، بدليل الرواية الرابعة: "ثم نرجع فنتتبع الفيء". ففيها تصريح بوجود الفيء لكنه قليل، ومعلوم أن حيطانهم كانت قصيرة، وأن بلادهم متوسطة من الشمس، ولا يظهر هناك الفيء بحيث لا يستظل به إلا بعد الزوال بزمان طويل. قاله النووي في شرح المهذب، ثم قال: وأما حديث سهل: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة". فمعناه أنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغداء في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة، لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها. اهـ.
كما احتج له بما رواه أحمد في مسنده والدارقطني عن عبد الله بن سيدان قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر رضي الله عنه وكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، ولا رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره". ورد هذا الاحتجاج بضعفه باتفاقهم، لأن ابن سيدان ضعيف عندهم، إذ قال عنه الحافظ ابن حجر: تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة. وقال عنه ابن عدي: شبه مجهول. وقال عنه البخاري: لا يتابع على حديثه.
قال النووي: والجواب عن احتجاجهم بحديث جابر وما بعده أنها كلها محمولة على شدة المبالغة في تعجيلها بعد الزوال من غير إبراد ولا غيره. هذا مختصر الجواب عن الجميع، وحملنا على هذا الجمع عمل المسلمين قاطبة إذ هم لا يصلونها إلا بعد الزوال.
أما نهاية وقت الجمعة فهو نهاية وقت الظهر بلا خلاف، لكن الخلاف فيمن دخل في صلاتها في الوقت وخرج الوقت أثناء الصلاة، فعند الشافعية يتمها ظهراً، لأنه لا يجوز ابتداؤها بعد خروج الوقت، فلا يجوز إتمامها كالحج، بل يتمها ظهراً، لأنه فرض رد من أربع ركعات إلى ركعتين بشرط يختص به، فإذا زال الشرط أتم كالمسافر إذا دخل في الصلاة ثم قدم قبل أن يتم.