"إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما". هذا نص لا يتطرق إليه التأويل، ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحاً فيخالفه. اهـ.
وأجاب المانعون لتحية المسجد وقت الخطبة بعدة أجوبة منها.
1 - أن قصة سليك واقعة عين، لا عموم لها، فيحتمل اختصاصها بسليك. ويرد عليهم بالتعميم في آخر القصة: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما".
2 - وقالوا: إن سليكاً كان رجلاً فقيراً، فأمره بالصلاة ليفطن له الناس فيتصدقوا عليه، واستندوا إلى روايات ضعيفة، منها: روى أصحاب السنن: "جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، والرجل في هيئة بذة، فقال له: أصليت؟ قال: لا. قال: صل ركعتين، وحض الناس على الصدقة".
وعند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا الرجل دخل المسجد في هيئة بذة فأمرته أن يصلي ركعتين، وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه". ويرد هذا الاستدلال بالعموم السابق، ثم إن المانعين لا يجيزون التطوع لعلة التصدق.
3 - وقالوا: إن تحية المسجد تفوت بالجلوس، وسليك جلس، فدل على أن الأمر ليس ليصلي تحية المسجد. بل لهدف آخر. وأجيب بأن تحية المسجد لا تفوت بجلوس غير العالم وغير المتعمد.
4 - وقالوا: إن الصلاة حال الخطبة تتعارض مع الأمر بالإنصات في قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204]. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت". متفق عليه -روايتنا في أول الباب السابق- قالوا: فإذا امتنع الأمر بالمعروف -وهو أمر اللاغي بالإنصات مع قصر زمنه- فمنع التشاغل بالتحية مع طول زمنها أولى. ويرد هذا الاستدلال بأن الآية في القرآن، وليست الخطبة كلها قرآناً.
وقياس التحية بالأمر للإنصات للاغي قياس مع الفارق فتحية المسجد مأمور بها، وقول: اسكت. ليس مأموراً به.
5 - وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي دخل يتخطى الرقاب: "اجلس فقد آذيت". أخرجه أبو داود والنسائي. فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية. وعند الطبراني: "إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام". ورد باحتمال أن يكون معنى "اجلس" أي لا تتخط، أو أن ترك أمره بالتحية لبيان الجواز، فإنها ليست بواجبة، أو يحتمل أن يكون الرجل قد صلى التحية في آخر المسجد، ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة، فوقع منه التخطي، فأنكر عليه. كما رد هذا الاستدلال بأن الحديثين ضعيفان لا يقاومان الأحاديث الصحيحة. والله أعلم.
وتتعرض الأحاديث إلى وقت صلاة الجمعة، وما يقرأ فيها من سور القرآن وما يصلى بعدها من السنن.