(ي) ويكره تحريك اليدين والإشارة بهما ذات اليمين وذات الشمال وروايتنا الرابعة والعشرون صريحة في إنكار ذلك. قال النووي في المجموع: ويسن أن يعتمد على قوس أو سيف أو عصا أو نحوها، ويستحب أن يأخذه في يده اليسرى، وأن يشغل يده الأخرى بأن يضعها على حرف المنبر، فإن لم يجد سيفاً أو عصا ونحوه سكن يده بأن يضع اليمنى على اليسرى، أو يرسلهما ولا يحركهما ولا يعبث بواحدة منهما، والمقصود الخشوع والمنع من العبث. اهـ.
(ك) وذهب جمهور الشافعية وأحمد إلى أن أركان الخطبة أو فروضها أربعة:
أن يحمد الله، وأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يوصي بالتقوى، وأن يقرأ الآية من القرآن. وبعضهم يوجب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
وقال أبو يوسف ومحمد وداود: الواجب ما يقع عليه اسم الخطبة. وقال أبو حنيفة: يكفيه أن يقول: سبحان الله، أو بسم الله، أو الله أكبر ونحو ذلك من الأذكار.
ومن مستحباتها أن تكون بالعربية، وأن يرفع فيها صوته، وأن يوالي بين مواعظها، وأن تكون قصيرة، فقد كانت صلاته صلى الله عليه وسلم قصداً وخطبته قصداً، وقصر الخطبة علامة من علامات فقه الخطيب كما جاء في أحاديث الباب.
ثالثاً: عبارات وتوجيهات من خطب النبي صلى الله عليه وسلم:
وقد تعرضت رواياتنا الخامسة عشرة والسادسة عشرة والثالثة والعشرون إلى عبارات وتوجيهات من خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يفتتح خطبته بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله، ثم يثنى بالتفويض والتسليم لجلاله وعظمته باعثاً في نفوس أصحابه أن الأمر كله لله فيقول: "إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله". وكان يحذر من الآخرة وقربها، فيقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين". يرفع أصبعيه السبابة والوسطى ويضمهما ويقرنهما فكأنهما لا فاصل بينهما، فلا نبي بينه وبين الساعة، وما بين الأصبعين من تقارب يشبه تقارب الزمن بين بعثته وقيام الساعة، وكان يقول بعد الحمد والثناء والتبصير بقرب الساعة: "أما بعد". ثم يعظ الناس ويذكرهم، ويوجههم إلى الاعتماد على القرآن والسنة، ويحذرهم من الابتداع في الدين واتباع الأهواء والزيغ عن الصراط المستقيم، فيقول: "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمداً صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
وكان كثيراً ما يقرأ في خطبته آيات أو سوراً من القرآن الكريم، يقرأ كثيراً سورة "ق والقرآن المجيد" فهي سورة ترقق القلوب بما فيها من وعد ووعيد وصور الموت، وما بعد الموت، وكان يقرأ آيات في مناسبات، يرعى الأمة ويوجهها، وإذا رأى قصوراً عالجه في خطبته، رأى رجلاً يدخل المسجد فلا يصلي تحية المسجد فيقعد، فناداه: "يا سليك. أصليت ركعتين؟ قال: لا. قال: قم فاركع