واشترط الشافعي وأصحابه القيام في الخطبتين للقادر عليه، فإن خطب قاعداً مع القدرة على القيام لم تصح صلاته، ولا صلاة من علم من المأمومين قدرته على القيام.
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: تصح الخطبة قاعداً مع القدرة، والقيام سنة عند أبي حنيفة، وواجب عند مالك في رواية، ولو تركه أساء وصحت الجمعة.
والأحاديث تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخطب جالساً والآية الكريمة تقول: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً} [الجمعة: 11].
وأول من خطب قاعداً معاوية، لما كثر شحم بطنه خطب الأولى قاعداً وخطب الثانية قائماً.
وروي أن عثمان أول من قعد في الخطبة، لكنه كان يخطب قائماً، فإذا تعب جلس ولم يتكلم حتى يقوم. ولا يستدل بهذا ولا بذاك ولا بقبول الناس على أن القيام ليس شرطاً، فإن الجلوس في مثل حالهما كان لعذر، ولهذا أنكر كعب بن عجرة على عبد الرحمن ابن أم الحكم أن خطب قاعداً إنكاراً شديداً كما جاء في روايتنا الثانية عشرة.
(هـ) كما اشترط الشافعية لصحة الخطبة والجمعة جلوساً بين الخطبتين، وهو صريح في أحاديثنا التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". قال بعضهم: وفي دخول الخطبة تحت كيفية الصلاة نظر، فالاستدلال بمجرد فعله صلى الله عليه وسلم.
وجمهور العلماء على أن الجلوس بين الخطبتين سنة حتى قال الطحاوي: هذا القول محكى عن مالك في رواية عنه، وهو المشهور عن أحمد.
وهذا الجلوس خفيف جداً، أقله قدر الطمأنينة، وأكمله قدر قراءة سورة الإخلاص. واختلف في حكمته، فقيل: للفصل بين الخطبتين. وقيل للاستراحة. وللخطيب أن يذكر الله تعالى ويدعوه في هذا الجلوس، وله أن يسكت. والله أعلم.
(و) وهل تشترط طهارة الخطيب من الحدث الأصغر، ومن النجاسة في البدن والثوب والمكان وستر العورة؟ قولان للشافعية وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد: لا يشترط ذلك. واستحبابه أمر متفق عليه.
(ز) ومن السنة أن يخطب على منبر أو على مرتفع، ليتمكن من المصلين وليروه وليصل صوته إلى أكبر قدر من الناس، فهو أبلغ في الإعلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخل، حتى السنة السابعة أو الثامنة من الهجرة فعمل له منبر خشبي من ثلاث درجات.
(حـ) ويستحب للإمام أن يسلم عند دخوله المسجد، ويصل المنبر دون أن يصلي تحية المسجد، فإذا وصل إلى أعلى المنبر وأقبل على الناس سلم عليهم ولزم السامعين الرد عليه.
(ط) وأن يستقبل الخطيب الناس وأن يستقبلوه، لما روي عن سمرة بن جندب: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطبنا استقبلناه بوجوهنا، واستقبلنا بوجهه". والشافعية على كراهة الالتفات يميناً وشمالاً في كل الخطبة. وقال أبو حنيفة: يلتفت يميناً وشمالاً في بعض الخطبة كما في الأذان.