لكنا مع الحافظ ابن حجر في قوله: وأما ما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض، واتباع السلف الصالح أولى. والله علم.
ثانياً: خطبة الجمعة، حكمها وشروطها وهيآتها:
ومن المقرر الواضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة بدون الخطبتين، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". وقد حكم جمهور العلماء بأن الجمعة لا تصح إلا بخطبتين. قال القاضي عياض: ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة. وعند أهل الظاهر ورواية عن مالك أنها تصح بلا خطبة.
ولخطبة الجمعة شروط أو أركان أو هيئات أو مواصفات منها:
(أ) جلوس الخطيب على المنبر قبلها أثناء الأذان بين يديه. قال مالك والشافعي وجمهور العلماء: هو سنة. وقيل هو من أجل الأذان، وعليه لا يسن للعيد، لأنه لا أذان له. وقيل: الحكمة فيه الراحة وسكون اللغط والتهيؤ للإنصات والاستنصات لسماع الخطبة وإحضار الذهن وجمع الانتباه واستدل له بما رواه البخاري عن السائب بن يزيد قال: "كان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام". وفي رواية له: "إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر" ويمكن أن يستأنس له أيضاً بروايتنا التاسعة والعشرين، وفيها: "جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر ... ". الحديث. ويصبح معنى الرواية الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين: "والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب". أي يتهيأ للخطبة.
وذهب بعض الكوفيين إلى أن الجلوس على المنبر عند التأذين قبل الخطبة غير مشروع. وقد رفض البدر العينى نسبة هذا القول لأبي حنيفة، فقال: إن مذهب أبي حنيفة ما ذكره صاحب الهداية: "وإذا صعد الإمام على المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يدي المنبر، بذلك جرى التوارث". اهـ.
(ب) واشتراط خطبتين، بهذا قال الشافعي ومالك وأحمد والجمهور، يصرح بهذا روايتنا السابعة، وقال أبو حنيفة: الخطبة شرط، ولكن تجزئ خطبة واحدة.
(جـ) واشترط الشافعي ومالك وأحمد والجمهور أن يسمعها العدد الذي تنعقد به الجمعة. وقال أبو حنيفة لا يشترط العدد لسماع الخطبة.
ومن اشترط العدد في السماع اختلفوا، فمنهم من اكتفى به عند الابتداء ولا يضر نقصه أثناءها كبعض الشافعية الذين استدلوا بروايتنا التاسعة والعاشرة والحادية عشرة، وفيها أن الصحابة انفضوا عن الخطبة حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً وهم يشترطون لصحة الجمعة والخطبة أربعين رجلاً. ومنهم من اشترط سماع العدد ابتداء وانتهاء، وأجاب عن الروايات بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مد في الخطبة واستمر فيها وعاد العدد المطلوب قبل الفاصل الطويل. أما المالكية فجعلوا الحد الأدنى للعدد اثنى عشر رجلاً، فلا إشكال.