على السعي إليها، والعناية بها وحضورها والتبكير إليها وترك المشاغل الدنيوية من أجلها، فقال جل شأنه: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} [الجمعة: 9 وما بعدها].
وكلما كان الأمر مهماً لزم الاستعداد له، وكلما عظم فضل العبادة قدم لها بمقدمات تتناسب وفضلها، تمهيداً وإعداداً وتهيئة للدخول فيها، كما أحيطت بهالة تبين عن قدسيتها وشرفها وعظمها وجلالها.
وهذا ما لزم خطبة الجمعة ولابسها من أذان قبلها وآذان بين يديها، وكونها خطبتين يجلس بينهما ويقوم فيهما على منبر مستقبل الناس، ويأتي فيهما بأركان أساسية، مقتديا بخطبة صلى الله عليه وسلم.
نعم لزم الجمعة إعداد خاص، غسل وطيب ولبس أحسن الثياب ومشي بالسكينة والوقار ودخول للمسجد في أدب وخشوع، لا يقيم أحداً من مجلسه ولا يفرق بين اثنين ولا يتخطى الرقاب، ثم يصلي نوافل ما قدر عليه ثم يجلس يستمع الخطبة، لا يكلم جاره أثناءها وإلا ضاع ثوابه حتى لو كان الكلام بالأمر بالمعروف، وحتى لو كان الكلام بإسكات المتكلم، ولا يعبث بيديه، ولا يمس الفراش أو الحصا ولا يكثر الحركة والالتفات، بل يكون في خشوع وإنصات للخطبة من أولها إلى آخرها.
لم يدرك المسلمون أول الإسلام هذه الأهمية، ولم توضح لهم هذه الأمور، فأخطئوا حين كانوا يستمعون الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب إذ علموا أن قافلة تجارية تحمل القمح والطعام قد جاءت المدينة في زمن شدة وحاجة فأسرعوا إليها، وانفضوا عن الخطبة، حتى لم يبق أمام الرسول صلى الله عليه وسلم من المئات سوى اثنى عشر رجلاً، فأنزل الله تعالى في عتابهم وتوبيخهم وتوجيههم قرآنا يتلى، فقال: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} [الجمعة: 11].
لقد اقتضت حكمة الله تعالى ورحمته للمسلمين أن يشرع تكرار وعظهم وجوباً كل سبعة أيام يرغب الخطيب في فضل الله والطاعة، ويحذر من غضب الله والمعصية، يتفاعل مع الكلمة يشتد حين يقتضي الحديث الشدة ويرفع صوته كلما احتاج الأمر رفع الصوت، لقد كان صلى الله عليه وسلم يخوف من اليوم الآخر وقربه، ويوصي بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله، ويحذر من البدع والضلالات، ويؤمن المسلمين على أموالهم وأولادهم وديونهم وأطفالهم من بعده، يخطب فيقتصد، لا يطيل ولا يخل، يرفق بالسائل ويعلم الجاهل. فصلى الله وسلم وبارك وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدين.