وأما الأذان الذي عند الزوال فيجوز عند الجمهور البيع فيه مع الكراهة. وعند الحنفية: يكره مطلقاً ولا يحرم. قال الشافعي في الأم: ولو تبايع رجلان ليسا من أهل فرض الجمعة لم يحرم بحال ولا يكره، وإذا تبايع رجلان من أهل فرضها، أو أحدهما من أهل فرضها، فإن كان قبل الزوال فلا كراهة، وإن كان بعده وقبل ظهور الإمام أو قبل جلوسه على المنبر، أو قبل شروع المؤذن في الأذان بين يدي الخطيب كره كراهة تنزيه، وإن كان بعد جلوسه وشروع المؤذن فيه حرم على المتبايعين جميعاً، سواء كانا من أهل الفرض أو أحدهما. اهـ.
وإنما حرم على من ليس من أهل الفرض لأنه شغل من عليه الفرض وتسبب في ارتكابه محرماً، لكن قال البندنيجي وصاحب العدة: إذا كان أحدهما من أهل الفرض دون الآخر حرم على صاحب الفرض وكره للآخر ولا يحرم. قال النووي: وهذا شاذ باطل، والصواب الجزم بالتحريم عليهما.
وحيث قلنا بحرمة البيع هل ينعقد ويصح أو لا؟ ذهب الشافعي وأبو حنيفة ومحمد وزفر والجمهور إلى أن البيع صحيح وينعقد. وقال مالك وأحمد والظاهرية: يبطل البيع.
وهل يحرم غير البيع من إجارة ونكاح وهبة ورهن ونحوها. قال ابن التين: كل من لزمه التوجه إلى الجمعة يحرم عليه كل ما يمنعه منه، من بيع أو نكاح أو عمل، وهذا قول الجمهور. ولا يحرم عند مالك نكاح ولا إجارة ولا سلم، وأباح الهبة والقرض والصدقة. ونحن نميل إلى رأي الجمهور.
فقد قال عطاء: إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتاب.
3 - الغسل للجمعة: أما غسل الجمعة فإن الروايات الإحدى عشرة الأول تتعرض له، إما بالأمر "فليغتسل" وإما بالتحضيض أي الأمر برفق: "لو اغتسلتم يوم الجمعة" أو بما يشعر بالوجوب أو الطلب القوي: "حق على كل مسلم أن يغتسل في سبعة أيام". "غسل يوم الجمعة على كل محتلم". ولاختلاف التعبيرات اختلف العلماء في حكم غسل يوم الجمعة:
فذهب أهل الظاهر وأحمد في إحدى الروايتين، وحكى عن مالك، أن غسل يوم الجمعة واجب حيث قالوا: لو لم يكن واجباً لما قطع عمر الخطبة، ولما أنكر على عثمان تركه على ملإ من الصحابة، كما استدلوا بالأمر بالغسل يوم الجمعة، كما جاء في الروايات الأولى والثانية والثالثة، وجعلوا الأمر للوجوب.
والجمهور من السلف والخلف وفقهاء الأمصار على أنه سنة مستحبة ليس بواجب يعصي بتركه، بل له حكم سائر المندوبات، وهو مذهب الشافعي وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو المعروف في مذهب مالك، وحملوا لفظ "واجب" على الوجوب في الاختيار ومكارم الأخلاق، والنظافة، وأجابوا عن قصة عمر وعثمان بأنها دليل على أنه سنة لا واجب، وذلك لأن عثمان لم يترك الصلاة لأجل الغسل، ولم يأمره عمر بالخروج للغسل، وأن من حضر من الصحابة وافقوهما