سادساً: أما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه إن كان من أهل الخيام، قال ابن المنذر: أجمعوا على جواز القصر لمن يريد السفر إذا خرج من جميع بيوت القرية التي يخرج منها، واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت فذهب الجمهور إلى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت، وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين قصراً ولو كان في منزلة، ومنهم من قال: إذا ركب. قال: ولا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة، وروى البخاري أن علياً خرج من موضعه، فقصر وهو يرى البيوت، ولما رجع إلى الكوفة قصر وهو يرى البيوت، قالوا: يا أمير المؤمنين، هذه الكوفة فأتم الصلاة قال: لا، حتى ندخلها.
وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين كما في روايتنا الحادية عشرة ليس لأنه لم يقصر حتى رأى ذا الحليفة، وإنما لكون ذي الحليفة أول منزل نزله. ولم يحضر قبله وقت صلاة. وفي فعله هذا صلى الله عليه وسلم حجة على مجاهد في قوله لا يقصر حتى يدخل الليل، وحجة على من قال من السلف: يقصر ولو في بيته، والله أعلم.
سابعاً: ويتعلق بالقصر في السفر أمور منها:
1 - قال الشافعية: لا يجوز القصر إلا إذا نوى القصر في الإحرام، لأن الأصل الإتمام، فإذا لم ينو القصر انعقد الإحرام على الإتمام، فلم يجز القصر ومعلوم أن النية هي القصد واستحضار المنوي، ومحلها القلب، والتلفظ بها ليس شرطاً.
وقال المزني: لو نواه في أثناء الصلاة ولو قبل السلام جاز القصر، وعن بعضهم: لو نوى الإتمام ثم نوى في أثنائها أن يقصر كان له أن يقصر، وقال أبو حنيفة: لا تجب نية القصر، لأن الأصل عنده القصر.
قال النووي: ولو نوى الإتمام قبل السلام لزمه أن يأتي بركعتين أخريين ويسجد للسهو، ولو نوى المنفرد القصر فصلى ركعتين، ثم قام إلى ثالثة ناوياً الإتمام وجب الإتمام، فإن كان ساهياً ثم ذكر لزمه أن يعود ويسجد للسهو، فلو أراد الإتمام بعد التذكر لزمه أن يعود إلى القعود ثم ينهض متماً، وفيه وجه ضعيف أن له أن يمضي في قيامه، والمذهب الأول لأن النهوض إلى الركعة الثالثة واجب، ونهوضه كان لاغياً لسهوه، اهـ ونحن نميل إلى الوجه الضعيف وأن له أن يمضي في قيامه. والله أعلم.
2 - قال النووي: وإن فاتته صلاة في السفر فقضاها في الحضر ففي صلاتها قصراً قولان، أصحهما يلزمه الإتمام، وبه قال أحمد، وقال مالك وأبو حنيفة يقصر، وإن فاتته صلاة في الحضر فقضاها في السفر لم يجز القصر بلا خلاف، وبذلك قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والجمهور.
3 - وإذا دخل وقت صلاة وتمكن من فعلها في الحضر، ثم سافر في أثناء الوقت فإن له أن يقصر على القول الراجح. والله أعلم.