واحتج الشافعية برواية عطاء بن أبي رباح "أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك" [هي ستة عشر فرسخاً والفرسخ ثلاثة أميال] رواه البيهقي بإسناد صحيح، وذكره البخاري في صحيحه تعليقاً، وعن عطاء قال: "سئل ابن عباس: أأقصر الصلاة إلى عرفة؟ فقال: لا، ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف" رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح.
وأجابوا عن حديث قصر الرسول صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة بأنه ليس المراد أن ذا الحليفة كان غاية سفره، كما سبق بيانه، وأما أن شرحبيل قصر على رأس سبعة عشر ميلاً كما هو صريح الرواية الثالثة عشرة فقد قال النووي: إنه تابعي فعل شيئاً يخالف الجمهور فلا حجة فيه، أو يتأول على أنها كانت في أثناء سفره لا أنها غايته.
وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد اعتمدوا في ذلك آثاراً عن الصحابة رضي الله عنهم. والله أعلم.
3 - ويشترط في القصر في السفر أن لا ينوي الإقامة على خلاف بين العلماء في مدة الإقامة. قال الشافعي: إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام مستدلاً بالرواية الرابعة عشرة من رواياتنا، وقد بينا في المباحث العربية أن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة نفسها أربعة أيام. وقول أحمد في رواية عنه: إحدى وعشرين صلاة، وفي كيفية احتساب الأيام الأربعة عند الشافعية خلاف أصح الأقوال لا يحسب يوم الدخول والخروج حتى لو دخل. في أول اليوم وخرج في آخر اليوم.
ولو نوى الإقامة وهو ماكث غير سائر أكثر من أربعة أيام انقطع سفره من حين ينوي ولا يترخص، إذا كان في موضع يصلح للإقامة كبلد أو قرية أو واد يمكن للبدوي أن يقيم به ونحو ذلك، فأما المفازة ونحوها فنيته الإقامة لغو، وإن لم ينو الإقامة أكثر من أربعة أيام، بل كان كل يوم على نية السفر، كمن يعلق سفره على انتهاء مهمة لا تستغرق عادة أربعة أيام وهو يتوقع انتهاءها يوماً بعد آخر قصر مهما طالت إقامته، وعلى هذه الحالة تحمل الأحاديث الواردة بأكثر من أربعة أيام أو تحمل على حالة الحرب، كالحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام سبعة عشر يوماً يقصر الصلاة" وفي رواية له تسعة عشر يوماً، قال النووي حديث ابن عباس هذا في إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لحرب هوازن في عام الفتح.
هذا هو الصحيح من مذهب الشافعية والمالكية، والحنابلة، وقال أبو حنيفة: إن نوى إقامة خمسة عشر يوماً مع يوم الدخول أتم، وإن نوى أقل من ذلك قصر.
4 - ويشترط للقصر أن لا يأتم المسافر بمقيم، فإن ائتم بمقيم في جزء من صلاته لزمه الإتمام سواء أدرك معه ركعة أم دونها، بهذا قال الشافعية والحنفية والحنابلة، وعن مالك: إن أدرك ركعة فأكثر لزمه الإتمام، وإلا فله القصر.
وهناك شروط أخرى في ذكرها طول، تطلب من كتب الفروع.