ولا سليمان أول من بنى المسجد الأقصى، يصرح بذلك القرطبي حيث يقول: إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما.

وقيل: إن إبراهيم عليه السلام هو الذي بنى المسجد الحرام والمسجد الأقصى وبين بنائه لهما أربعون سنة، وما حصل من داود وسليمان تجديد لا تأسيس، قال الحافظ ابن حجر: والأول أوجه.

هذا من ناحية أولية الوضع والبناء، أما من ناحية الأجر وثواب العبادة فإن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة أصبح في الدرجة الثانية بعد المسجد الحرام، فقد روى الإمام أحمد وصححه ابن حبان "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا" وعند ابن ماجه "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" وروى البزار والطبراني "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة".

ولأفضلية العبادة في هذه المساجد روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى" وأما صلاحية الأرض عامة للصلاة عليها وللتيمم من تربتها فهي المقصود الأساسي لإيراد أحاديث الباب، وقد استدل بقوله "وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد" على جواز الصلاة في جميع المواضع التي لا نتيقن نجاستها، مع مراعاة ما استثناه الشرع كالصلاة في المقابر والمزابل والمجازر، وأعطان الإبل وقارعة الطريق، والحمام، وغير ذلك مما ورد النهي بها على خلاف في المذاهب.

كما استدل المالكية والحنفية بقوله في الرواية الثالثة "وجعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً" على أنه يجوز التيمم بجميع أجزاء الأرض، ولا يختص التيمم بالتراب، فالتعبير بأن الأرض طهور -أي مطهر- عام في جميع أجزائها، فإن قيل لهم: إن المراد بالطهور في هذه الرواية الطاهرة، أي صالحة للصلاة عليها، قالوا: إن معنى "طيبة" طاهرة، فلو كان معنى "طهوراً" طاهرة للزم التكرار وتحصيل الحاصل، لكن المعنى على تفسيرنا: طاهرة مطهرة، ويؤيد هذا القول رواية البيهقي "فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهوراً ومسجداً"، وعند أحمد "فعنده طهوره ومسجده" وفي رواية "فأينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت" فكل هذه الألفاظ في مطلق الأرض ولا خصوص التراب.

واستدل الشافعية والحنابلة بالرواية الرابعة، وفيها "وجعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء" فهذه الرواية مقيدة لما يطهر من الأرض، وهو التراب، ويحمل المطلق في الروايات السابقة على المقيد فإن قيل لهم: إن التعبير بالتربة لا يقتصر على التراب، فقد قيل: إن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره قالوا: بل ورد في الحديث المذكور بلفظ "التراب" أخرجه ابن خزيمة وغيره، وفي حديث علي أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن وجعل التراب لي طهوراً، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015