ويصح أن يراد بالمسجد المعروف، والكلام على التشبيه، أي جعلت لنا الأرض كلها كالمسجد في صحة الصلاة عليها.

(وجعلت تربتها لنا طهورًا) تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره.

(وذكر خصلة أخرى) اعتبر جعل الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا خصلة واحدة، فلم يذكر الراوي سوى ثنتين من ثلاث. وهذه الخصلة المبهمة بينها ابن خزيمة والنسائي "وهي" وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش".

(أتيت بمفاتيح خزائن الأرض) كناية عما فتح اللَّه لأمته من المال والدنيا.

(فوضعت في يدي) بلفظ التثنية، وهو كناية عن امتلاكها، والمراد امتلاك أمته لها.

(وأنتم تنتثلونها) أي تستخرجون ما في خزائن الأرض وتنتفعون بها.

-[فقه الحديث]-

تتناول هذه الأحاديث مسألتين أساسيتين:

الأولى: وهي المقصودة بكتاب المساجد، جعل الأرض لنا مسجدًا وطهورًا.

الثانية: خصائصه صلى اللَّه عليه وسلم وخصائص أمته.

وفيما يتعلق بالمسألة الأولى يتشعب البحث إلى أفضل بقاع الأرض من حيث العبادة، ثم صلاحية عامة الأرض للصلاة عليها وللتيمم من ترابها.

والرواية الأولى والثانية تنصان على فضل المسجد الحرام ثم المسجد الأقصى من حيث تقدم وضعهما في الأرض لعبادة الناس.

والروايتان تصرحان بأن المسجد الحرام أول مسجد وضع للناس في الأرض، وهو موافق لقوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين} [آل عمران: 96] ولا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في أول من بناه، ففي بعض الآثار أن أول من بناه الملائكة، ثم آدم ثم شيث، ثم غمره طوفان وأزال معالمه، ثم بوأ اللَّه مكانه لإبراهيم وعرفه إياه فبناه.

والروايتان تصرحان بأن بين بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى أربعين عامًا، وهذا مشكل بالنسبة لما هو مشهور من أن باني البيت الحرام إبراهيم عليه السلام، وباني المسجد الأقصى داود ثم ابنه سليمان عليهما السلام، وبين بناء إبراهيم وبنائهما مدة تزيد على الأربعين بأمثالها، حتى قيل: إن بينهما أكثر من ألف عام، وأجيب عن هذا الإشكال بأجوبة كثيرة، منها: أن الحديث يشير إلى أول بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وأول من وضع أساسهما، وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015