وقد فطر الله سبحانه عباده على الحرص على الأسباب التي بها مرام معاشهم ومصالحهم الدنيوية، بل فطر الله على ذلك سائر الحيوانات فهكذا الأسباب التي بها مصالحهم الأخروية في معادهم فإنه سبحانه رب الدنيا والآخرة وهو الحكيم بما نصبه من الأسباب في المعاش والمعاد وقد يسر كلا من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة فهو مهيأ له ميسر له، فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشد اجتهادا في فعلها من القيام بها منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه، وقد فقه هذا كل الفقه من قال ما كنت أشد اجتهادا مني الآن.

فإن العبد إذا علم أن سلوك هذا الطريق يفضي به إلى رياض مونقة وبساتين معجبة ومساكن طيبة ولذة ونعيم لا يشوبه نكد ولا تعب كان حرصه على سلوكها واجتهاده في السير فيها بحسب علمه بما يفضي إليه ... إلى أن قال: فالقدر السابق معين على الأعمال وما يحث عليها ومقتضٍ لها، لا أنه مناف لها وصاد عنها، وهذا موضع مزلة قدم، من ثبتت قدمه فاز بالنعيم المقيم ومن زلت قدمه عنه هوى إلى قرار الجحيم.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة في القدر إلى أمرين هما سببا السعادة، الإيمان بالأقدار فإنه نظام التوحيد، والإتيان بالأسباب التي توصل إلى خيره وتحجز عن شره وذلك نظام الشرع، فأرشدهم إلى نظام التوحيد والأمر فأبى المنحرفون إلا القدح بإنكاره في أصل التوحيد أو القدح بإثباته في أصل الشرع ولم تتسع عقولهم التي لم يلق الله عليها من نوره للجمع بين ما جمعت الرسل جميعهم بينه وهو القدر والشرع والخلق والأمر، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والنبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015