فيه، وقد سبق إيراد هذا السؤال من الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم بما فيه الشفاء والهدى.

ثم ذكر ابن القيم حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي فيه «اعملوا فكل ميسر» وحديث جابر في سؤال سراقة بن مالك بن جعشم، وحديث عمران بن حصين الذي فيه «أعلم أهل الجنة من أهل النار» وحديثه أيضا في سؤال الجهني أو المزني، وحديث ابن عمران عمر رضي الله عنه قال: يا نبي الله فعلى ما نعمل. وقد تقدم ذكر هذه الأحاديث قريبا فلتراجع، ثم قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فاتفقت هذه الأحاديث ونظائرها على أن القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال عليه بل يوجب الجد والاجتهاد، ولهذا لما سمع بعض الصحابة ذلك قال ما كنت أشد اجتهادا مني الآن.

وهذا مما يدل على جلالة فقه الصحابة ودقة أفهامهم وصحة علومهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم بالقدر السابق وجريانه على الخليقة بالأسباب، فإن العبد ينال ما قدر له بالسبب الذي أقدر عليه ومكن منه وهيئ له فإذا أتى بالسبب أوصله إلى القدر الذي سبق له في أم الكتاب وكلما زاد اجتهاداً في تحصيل السبب كان حصول المقدور أدنى إليه. وهذا كما إذا قدر له أن يكون من أعلم أهل زمانه فإنه لا ينال ذلك إلا بالاجتهاد والحرص على التعلم وأسبابه، وإذا قدر له أن يرزق الولد لم ينل ذلك إلا بالنكاح أو التسري والوطء، وإذا قدر له أن يستغل من أرضه من المغل كذا وكذا لم ينله إلا بالبذر وفعل أسباب الزرع، وإذا قدر الشبع والري فذلك موقوف على الأسباب المحصلة لذلك من الأكل والشرب، وهذا شأن أمور المعاش والمعاد فمن طل العمل اتكالا على القدر السابق فهو بمنزلة من عطل الأكل والشرب والحركة في المعاش وسائر أسبابه اتكالا على ما قدر له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015