وهذا حديث آخر يذكره في هذا الباب، وهو حديث طارق بن شهاب البجلي، وطارق بن شهاب قيل: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً، وقيل: سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو كبير فيكون على ذلك صحابياً، وقد يكون رواه عنه مباشرة أو رواه عن غيره فيكون من رواية الصحابي عن الصحابي، فهو مرسل صحابي، والحديث رجال إسناده ثقات، ولكن فيه الأعمش وهو مدلس وقد عنعن في هذا الحديث.
والحديث يقول عنه ابن القيم: قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب يرفعه -يعني: إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهذا الحديث ليس في المسند، وإنما هو في الزهد للإمام أحمد رحمه الله وكذلك في الزهد لـ ابن أبي عاصم.
قال: حدثنا أبو معاوية، وأبو معاوية ثقة، قال: حدثنا الأعمش وهو ثقة أيضاً، واسمه سليمان بن مهران، عن سليمان بن ميسرة وهو ثقة أيضاً، لكن الأعمش قد عنعن هنا، فهذا مما يضعف به الحديث وإن كان رجال إسناده ثقات.
وهذا الحديث فيه: (دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟! قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب، قال: ليس عندي شيء أقرب، قالوا له: قرب ولو ذبابة، فقرب ذبابة، فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب فقال: ما كنت لأقرب شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه، فدخل الجنة)، رواه أحمد في الزهد وليس في المسند.
فحديث طارق بن شهاب هذا فيه أن رجلاً دخل الجنة في ذباب، وآخر دخل النار في ذباب، وقوله: (دخل الجنة رجل في ذباب) كأن هذا كان سبباً له في دخول الجنة كما فسرها بعدها.
وقوله: (دخل النار رجل في ذباب) كأن هذا العمل هو الذي استحق به أن يدخل النار، ولو كان هناك عمل آخر أفظع من هذا العمل لذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو قيل: كان كافراً وفعل ذلك، فأقول: الواضح أنه لم يكن كافراً، وأنه بهذا الفعل الذي فعله استحق عذاب رب العالمين سبحانه.
وجاء في الحديث: (مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً)، هؤلاء الناس كفار، وقد صنعوا أصناماً، فأحد الاثنين مر بهذا الصنم فقالوا له: (قرب شيئاً، فقال: ليس عندي شيء أقربه قالوا: قرب ولو ذبابة، ومن أجل أن يفلت منهم من مضايقتهم فقرب ذبابة لهذا الصنم، فخلوا سبيله، وكأنه مات على ذلك فاستحق النار، وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب شيئاً لأحد دون الله عز وجل فلما رفض ضربوا عنقه، فدخل الجنة، فقد كانت نية هذا الرجل متوجهة إلى الله سبحانه.