حكم التبرك بآثار الصالحين

يقول الشارح هنا: إن ما ادعاه بعض المتأخرين من أنه يجوز التبرك بآثار الصالحين فممنوع.

ولكن التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآثاره فهذا وارد، والصحابة تبركوا بشعر النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو بنفسه أمر أبا طلحة أن يقسم شعره بين المسلمين، فأخذ أبو طلحة نصفه وقسم النصف الباقي بين الناس، فكانوا يتبركون بأثره عليه الصلاة والسلام من ريقه الطاهر من ثيابه التي يلبسها من أثر وضوئه عليه الصلاة والسلام، وذكرنا في الحديث السابق كيف أن أناساً أتوه من مكان بعيد وعندهم بيت يعبدون فيه غير الله سبحانه فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطهروه وأن يغسلوه بالماء، فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم ماء من وضوئه عليه الصلاة والسلام يتبركون به، فأعطاهم صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن المار يتبخر في أثناء الطريق، قال: (أمدوه فإنه لا يزيد إلا طيباً)، أي: زيدوا عليه من ماء الطريق، فبركة الماء الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم وما زاد إلا طيباً، وفعلاً أخذوا هذا الماء وغسلوا الكنيسة أو المكان الذي كان يعبد فيه غير الله عز وجل، وعبدوا الله سبحانه وتعالى فيه.

وقد دلت الشريعة على جواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم، أما التبرك بآثار غير النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز؛ لأنه قياس مع الفارق، فلا أحد يساويه صلى الله عليه وسلم والصحابة الذين يتبركون به صلى الله عليه وسلم وبآثاره لم يكونوا يتبركون بأثر أحد بعده، ولو جاز ذلك لفعلوه، لكنهم لم يفعلوا ذلك، وإنما اكتفوا بما كان عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقل أحد منهم: تبرك بأثر أبي بكر وهو أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بأثر عمر، ولا بأثر عثمان، ولا علي رضي الله تبارك وتعالى عنهم.

فلم يقل أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ذلك.

ولو كان من الخير أن يتبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم لفعله الصحابة أو بعضهم ولكن ذلك لم يحدث، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100] وعلى ذلك فالعلماء الذين قالوا بجواز التبرك بآثار الصالحين إذا كان التبرك بدعوات الصالحين، كأن يدعو الصالح بالبركة، مع اعتقادهم أن الذي يبارك هو الله سبحانه وتعالى فهذا جائز، أما بأثر الصالح نفسه فهذا الأصل فيه المنع حتى يثبت الدليل؛ لأنه وسيلة وذريعة إلى الوقوع في الشرك بالله سبحانه.

قد يأتي أناس ويظنون أن هذا رجل صالح، وأن أكله طيب يذكر فيه اسم الله سبحانه، فيأكلون من هذا الطعام فهذا لا بأس به، ولكن لعله يفتح على الناس بعد ذلك باباً من أبواب الشرك، فيظن أن هذا الطعام يجلب الخير أو يمنع الضر مثلاً.

والتبرك بآثار الصالحين مسألة من مسائل الخلاف، وليست من مسائل الاتفاق، والخلاف فيها فيه نظر، إن كثيراً من العلماء قالوا: إذا جاز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم فليكن تبركاً بآثار غيره، ولكن باب سد الذريعة من الأبواب العظيمة في الشريعة، فلو انفتح باب التبرك بالصالحين سيفتح على الناس الشرك، لذلك يكتفى بالتبرك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فقط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015