يقول الشيخ ابن عبد الوهاب في المسألة الحادية عشرة: إن الشرك فيه أكبر وأصغر، والشرك الأكبر يخرج صاحبه من الملة، والشرك الأصغر لا يخرج صاحبه من الملة، كأن يحلف أحدهم بالله سبحانه وتعالى ثم يقع على لسانه الحلف بغير الله، ولا يقصد تعظيماً له مع الله سبحانه، فهذا لا نقول له: خرجت من الملة، ولكن نقول له تأديباً: قل لا إله إلا الله، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من قال ذلك أن يقول: لا إله إلا الله.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كأنه أخذ من الحديث الذي فيه أنهم كانوا حدثاء عهد بجاهلية، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط، فقال: هذا شرك أصغر وليس من الشرك الأكبر.
أما الشيخ: حامد الفقيه في تعليقه على الجملة فقال: ليس ما طلبوه من الشرك الأصغر، ولو كان منه لما جعله النبي صلى الله عليه وسلم نظير ما فعله بنو إسرائيل، وأقسم على ذلك، بل هو من الشرك الأكبر، كما أن ما طلبه بنو إسرائيل من الشرك الأكبر.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول: إن هذا من الشرك الأصغر، وليس من الشرك الأكبر.
فالصحابة طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم شجرة يعلقون بها السيوف كما كان المشركون يعلقونها يرجون البركة، ويرجون النصر من الشجرة، فكأن المسلمين أرادوا ذلك فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الله أكبر إنها السنن! قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه الصلاة والسلام: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا} [الأعراف:138])، فشبه ما قالوه بما قالته بنو إسرائيل، وقد يكون التشبيه كلياً، وهو أن هذا كهذا، فيكون قولهم من الشرك الأكبر، أو يكون جزئياً والمعنى: تشابهتم معهم في أنهم طلبوا شيئاً لا يجوز لهم طلبه، فكان هذا شركاً أصغر فيكون في حق بني إسرائيل شرك أكبر وفي حق هؤلاء شرك أصغر.
لذلك ذهب الشيخ ابن عبد الوهاب إلى أنهم شابهوا بني إسرائيل في جزئية.
والشيخ حامد الفقيه يقول: هذا من الشرك الأكبر، وليس كذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفرهم، بل عذرهم بجهلهم، ثم إن ما فعله بنو إسرائيل صرحوا به وقالوا: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا} [الأعراف:138]، أي: إلهاً من دون الله نعبده، وكأن عقائد الفرعونيين كانت موجودة في قلوبهم، وإن كان موسى قد جاهدهم على التوحيد، ولكنهم سرعان أرادوا أن يرجعوا إلى ما كانوا يرونه من عبادة غير الله سبحانه، فطلبوا عبادة إله من دون الله سبحانه مجسماً يرونه، ومجرد أن ذهب موسى أربعين يوماً صنع لهم السامري عجلاً جسداً -من حلي كانت معهم- له خوار: {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:88] وعبدوه من دون الله، وهذا هو الكفر الأكبر، فرجع موسى وأخذ برأس أخيه يجره إليه: كيف تركتهم يفعلون ذلك، فأجابه: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [طه:94].
كذلك قوله لبني إسرائيل: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:138]، كأنهم جهلوا قدر الله سبحانه وتعالى، وجهلوا عبادته وحقه عليهم، فقال: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:138]، ولم يكفرهم، فكذلك لم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم من كانوا معه ممن قالوا ذلك، وهذا فيه بيان أن الإنسان قد يطلب شيئاً لا يجوز له أن يطلبه، فيقع في الشرك بما طلب، ولكن يعذر بالجهل في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لهم: قولوا لا إله إلا الله حتى ترجعوا إلى الإسلام، أو لم يقل: لقد ارتددتم عن الدين فارجعوا إليه مرة أخرى، ولذلك اعتبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا من الشرك الأصغر، وفي كتابه كشف الشبهات اعتبرها من الشرك الأكبر، وكأن له قولين في هذه المسألة.