يقول: (ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلاف، وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال)، يعني: الإنسان الذي يعرف الحق لا يجوز له أن يتركه، لكن اختلف العلماء في القادر على الاستدلال ولم يستدل، يعني: إنسان فقيه وجد إماماً من الأئمة اتبعه في ذلك مع قدرته هو على النظر في الأدلة، فلم يفعل ذلك، هل يأثم في ذلك أم لا يأثم؟ فالإنسان طالما عنده قدرة على النظر والفهم ينظر في دليل الإمام الذي قاله، فإن كان دليلاً ضعيفاً عمل بالصحيح الذي جاء في الكتاب وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن كان عاجزاً عن إظهار الحق الذي يعلمه، قد يكون الإنسان يعرف الحق ولكن الظروف التي حوله تمنعه من إظهار هذا الحق الذي يعلمه، قال فهذا يكون كمن عرف أن دين الإسلام حق وهو بين النصارى، فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق لا يؤاخذ بما عجز عنه وهؤلاء ك النجاشي وغيره).
فـ النجاشي أصحمة الذي كان ملكاً على الحبشة في عهد النبي صلوات الله وسلامه عليه، عرف الحق واتبع النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرغمه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، إذْ كان ملكاً في قومه، وسلب ملكه ثم رده الله عز وجل عليه، فعبد الله وأسلم وأظهر ذلك، وهذا كل ما يملكه، أما أنه يجبر أتباعه على ذلك فليس بيده، ولا يقدر على غيره، فهو معذور فيما لا يقدر عليه من ذلك.
قال: (وقد أنزل الله في هؤلاء الآيات من كتابه، كقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} [آل عمران:199] وذكر عنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع، مما عرفوا من الحق) فـ النجاشي وأتباعه عرفوا الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعوا قدر المستطاع، وقدر الطاقة، وفعلوا ما يمكنهم فعله.
يقول: (وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزاً عن معرفة الحق على التفصيل وقد فعل ما يقدر عليه، أي: إذا اتبع إنساناً اجتهد سواء أصاب أو أخطأ، والذي اتبعه يعرف أن هذا مجتهد وهذا من أهل العلم وهذا من أهل الدين، فاتبعه على ذلك، ولا يعرف أن يميز، فكثير من الناس لا يقرأ ولا يكتب، أو إن كان يقرأ فلا يفهم هذا الذي في الكتاب ولا في السنة، فيسأل من يظنه أعلم الناس، ويتبعه على ذلك، وقد يخطئ هذا الذي يفتيه، ولكن هذا الذي اتبعه لا يملك سوى أن يتبعه، فليس عليه حرج في ذلك.
يقول: (هذا الإنسان لا يؤاخذ إن أخطأ كما في القبلة) أي: إنسان نزل في بلد ولا يعرف اتجاه القبلة لا عن طريق الشمس ولا عن طريق القمر منازله، ولا يعرف الشمال من الجنوب، ولا تحديد القبلة، فسأل إنساناً أين القبلة؟ قال: هنا، فأخذ يصلي في هذا المكان، ثم تبين له خطؤه، فهذا معذور، ولا يلزمه إعادة الصلاة؛ لأنه فعل ما أمر به شرعاً، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] فسأل أهل البلد فدله إنسان مخطئ على القبلة فصلى بناءً على ذلك، فالصلاة صحيحة ولا تلزمه الإعادة.