يقول شيخ الإسلام: (وأما من قلد شخصاً دون نظيرة بمجرد هواه، ونصره بيده ولسانه من غير علم أن معه الحق، فهذا من أهل الجاهلية) يعني: أحياناً الشخص يتبع فلاناً عصبية؛ لأنه يحبه، فيسمعه يجادل أو يناظر فيقول: كلامه صحيح، وإن قال هذا المناظر: خطأ، قال: خطأ، ويريد أن يلزم الناس به، فليس هذا من الدين، إنما دين الله عز وجل أن تبحث عن الحق وأن تنصر دين الله، يقول: (فهذا من أهل الجاهلية أي: الذي يتعصب لشخص دون سواه، فهو امرؤ فيه جاهلية.
يقول شيخ الإسلام: (هذا إن كان متبوعه مصيباً لم يكن عمله صالحاً) أي: لو فرضنا أن هذا الذي تحزب له وتعصب له كلامه صحيح لم يكن هذا مصيباً فيما فعل ولا مثاباً عليه؛ لأنه اتبع من غير علم، وإنما عصيبة فقط، وإن كان الذي اتبعه مخطئاً في ذلك.
فهذا أيضًا آثم في ذلك، يقول: (كمن قال في القرآن برأيه فإن أصاب فقد أخطأ، وإن أخطأ فليتبوأ مقعده من النار)، أي: من قال في القرآن برأيه من غير علم كأنه يقول: الله يقول: كذا، والقياس الأولى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كذباً علي ليس ككذب على أحدكم، من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، فالذي يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليس كالذي يكذب على غيره من البشر، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أشد وأفظع وأعظم.
إذاً: من كذب عليه متعمداً هذا مخطئ وليتبوأ مقعده من النار، حتى وإن قال: إنما أكذب له، لا أكذب عليه، وأقرب الناس إلى الدين، مثل كثير من أهل البدع الذين يكذبون الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويظنون أنهم يقربون الناس إلى العبادة، فبعض الناس يزعمون ذلك، مثل نوح بن أبي مريم، وهو رجل من الكذابين كذب على النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في فضائل القرآن، يقول الحافظ العراقي فيه: وابن أبي عصمة إذ رأى الورى زعماً نأوا عن القرآن فافترى لهم حديثاً في فضائل السور عن ابن عباس فبئسما ابتكر فألف لهم أحاديث عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل القرآن، بزعمه أن الناس أعرضوا عن القرآن قال: فبئس ما ابتكر من أحاديث وافترى على النبي صلى الله عليه وسلم، هذا في الحديث، فما بالك في القرآن، فإن كان الذي يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يتبوأ مقعده من النار، فالذي يفسر القرآن بغير علم فهو يكذب على الله فهو أولى بذلك، وهذا هو المعنى الذي ذكره شيخ الإسلام في قوله: (كمن قال في القرآن برأيه) كأنه يقصد ذلك، أنه يفسر ويعبر عن الله سبحانه بكلام كذب من رأيه هو.
قال: (وهؤلاء من جنس مانع الزكاة الذي تقدم فيه الوعيد، ومن جنس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة) فعبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخرجهم من الدين، فهم أهل طمع في الدنيا بفعلهم ذلك، ففيهم من الشرك، وإن لم يكن الشرك أكبر يخرجهم من الدين.
قال: (وكذلك هؤلاء فيكون فيهم شرك أصغر)، يعني: ليس مخرجاً لهم من ملة الإسلام.
فالإنسان لا يتعصب لعالم من غير معرفة دليله، سواء كان مخطئاً أو مصيباً فليس في الدين مثل ذلك.