قال ابن القيم -رحمه الله-: " هذا من إشارة الآية وتنبيهها، وهو أنه لا يلتذ به وبقراءته وفهمه وتدبره إلا من يشهد أنه كلام الله تكلم به حقا، وأنزله على رسوله وحيا، لا ينال معانيه إلا من لم يكن في قلبه حرج منه بوجه من الوجوه".

وقال آخرون: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} أي من الجنابة والحدث. قالوا: ولفظ الآية خبر معناه الطلب. قالوا: والمراد بالقرآن هاهنا المصحف. واحتجوا على ذلك بما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن محمد ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: إن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلي الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: " أن لا يمس القرآن إلا طاهر " 1 2.

وقوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3. قال ابن كثير: هذا القرآن منزل من رب العالمين، وليس كما يقولون: إنه سحر أو كهانة أو شعر، بل هو الحق الذي لا مرية فيه; وليس وراءه حق نافع. وفي هذه الآية: أنه كلام الله تكلم به.

قال ابن القيم -رحمه الله-: ونظيره: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} 4. وقوله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} 5 هو إثبات علو الله تعالى على خلقه؛ فإن النزول والتنزيل الذي تعقله العقول وتعرفه الفطر هو وصول الشيء من أعلى إلى أسفل، ولا يرد عليه قوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} 6؛ لأنا نقول: إن الذي أنزلها فوق سماواته. فأنزلها لنا بأمره.

قال ابن القيم -رحمه الله-: " وذكر التنزيل مضافا إلى ربوبيته للعالمين المستلزمة لملكه لهم وتصرفه فيهم، وحكمه عليهم، وإحسانه إليهم، وإنعامه عليهم، وأن من هذا شأنه مع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015