الخلق كيف يليق به مع ربوبيته التامة أن يتركهم سدى، ويدعهم هَمَلًا، ويخلقهم عبثا. لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يثيبهم ولا يعاقبهم؟ فمن أقر بأنه رب العالمين أقر بأن القرآن تنزيله على رسوله. واستدل بكونه رب العالمين على ثبوت رسالة رسوله وصحة ما جاء به، وهذا الاستدلال أقوى وأشرف من الاستدلال بالمعجزات والخوارق، وإن كانت دلالتها أقرب إلى أذهان عموم الناس. وذلك إنما تكون لخواص العقلاء".

قوله: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} 1. قال مجاهد: " أتريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم "؟

{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} 2 3.

فيه مسائل:

الأولى: تفسير آية الواقعة.

الثانية: ذكر الأربع التي من أمر الجاهلية.

الثالثة: ذكر الكفر في بعضها.

الرابعة: أن من الكفر ما لا يخرج من الملة.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " ثم وبخهم على وضعهم الإدهان في غير موضعه، وأنهم يداهنون فيما حقه أن يصدع به ويعرف به، ويعض عليه بالنواجذ; وتثنى عليه الخناصر; وتعقد عليه القلوب والأفئدة، ويحارب ويسالم لأجله، ولا يلتوى عنه يمنة ولا يسرة; ولا يكون للقلب التفات إلى غيره، ولا محاكمة إلا إليه، ولا مخاصمة إلا به; ولا اهتداء في طرق المطالب العالية إلا بنوره، ولا شفاء إلا به; فهو روح الوجود، وحياة العالم; ومدار السعادة; وقائد الفلاح، وطريق النجاة، وسبيل الرشاد، ونور البصائر. فكيف تطلب المداهنة بما هذا شأنه، ولم ينزل للمداهنة، وإنما نزل بالحق وللحق، والمداهنة إنما تكون في باطل قوي لا تمكن إزالته، أو في حق ضعيف لا تمكن إقامته، فيحتاج المداهن إلى أن يترك بعض الحق ويلتزم بعض الباطل، فأما الحق الذي قام به كل حق فكيف يداهن به؟ ".

قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} . تقدم الكلام عليها أول الباب; والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015