وقوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} 1 هذا هو المقسم عليه، وهو القرآن، أي إنه وحي الله وتنزيله وكلامه، لا كما يقول الكفار: إنه سحر أو كهانة، أو شعر. بل هو قرآن كريم أي عظيم كثير الخير؛ لأنه كلام الله.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " فوصفه بما يقتضي حسنه وكثرة خيره ومنافعه وجلالته؛ فإن الكريم هو البهي الكثير الخير العظيم; وهو من كل شيء أحسنه وأفضله. والله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالكرم ووصف به كلامه، ووصف به عرشه، ووصف به ما كثر خيره وحسن منظره من النبات وغيره، ولذلك فسر السلف "الكريم" بالحسن. قال الأزهري: الكريم اسم جامع لما يحمد، والله تعالى كريم جميل الفعال، وإنه لقرآن كريم يحمد لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة".

وقوله: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} 2 أي في كتاب معظم محفوظ موقر. قاله ابن كثير.

وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " اختلف المفسرون في هذا; فقيل: هو اللوح المحفوظ، والصحيح أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة، وهو المذكور في قوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} 3. ويدل على أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} 4 فهذا يدل على أنه بأيديهم يمسونه".

لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِين أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} 5.

قوله: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا يمسه إلا المطهرون. قال: الكتاب الذي في السماء". وفي رواية: "لا يمسه إلا المطهرون يعني الملائكة". وقال قتادة: "لا يمسه عند الله إلا المطهرون". فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس والمنافق الرجس". واختار هذا القول كثيرون، منهم ابن القيم -رحمه الله- ورجحه. وقال ابن زيد: زعمت قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} 6. قال ابن كثير: هذا قول جيد. وهو لا يخرج عن القول قبله. وقال البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في هذه الآية: "لا يجد طعمه إلا من آمن به".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015