وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ بِاتِّفَاقٍ الرُّوَاةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَفِيمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» ، ثُمَّ بَيَانُهُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيُقِيمُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْعَصْرَ يُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهِ الْمَعْهُودِ فَيُفْرِدُ بِالْإِقَامَةِ إعْلَامًا لِلنَّاسِ (وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْوُقُوفِ وَلِهَذَا قُدِّمَ الْعَصْرُ عَلَى وَقْتِهِ، فَلَوْ أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مَكْرُوهًا وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ بِعَمَلٍ آخَرَ يَقْطَعُ فَوْرَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَيُعِيدُهُ لِلْعَصْرِ (فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ.
قَالَ (وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي رَحْلِهِ وَحْدَهُ صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَقَالَا: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنْفَرِدُ لِأَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ لِلْحَاجَةِ إلَى امْتِدَادِ الْوُقُوفِ وَالْمُنْفَرِدِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَحْمِيدَةٍ بِحَيْثُ كَانَتْ قَدْرَ الْأَذَانِ، وَلَا يُعَدُّ فِي تَسْمِيَةِ مِثْلِهِ خُطْبَةً، وَالْخُطْبَةُ الْأُولَى الثَّنَاءُ كَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَعْظِ، ثُمَّ تَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ.
ثُمَّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ جَلَسَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، فَإِذَا فَرَغَ أَقَامَ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ فِي الْفُسْطَاطِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَخْطُبُ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ.
وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَبْدَأُ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الْأَذَانِ، فَإِذَا مَضَى صَدْرُ خُطْبَتِهِ أَذَّنُوا ثُمَّ يُتِمُّ الْخُطْبَةَ بَعْدَهُ، فَإِذَا فَرَغَ أَقَامُوا، وَهَذَا عَلَى مُسَاوَقَةِ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَعَهُمْ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ ذَكَرَ فِيهِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَطَبَ النَّاسَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى الْقَصْوَاءِ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ» .
وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَنْ يُحْمَلَ أَذَانُ بِلَالٍ ذَلِكَ عَلَى الْإِقَامَةِ، فَيَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَاوَقَ الْإِقَامَةَ بِخُطْبَةٍ ثَانِيَةٍ خَفِيفَةٍ قَدْرَ الْإِقَامَةِ تَمْجِيدًا وَتَسْبِيحًا.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» وَعَنْهُ قُلْنَا لَا يُتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ. وَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالنَّافِلَةِ غَيْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ الطَّوِيلَ، إذْ قَالَ «فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» وَكَذَا يُنَافِي إطْلَاقَ الْمَشَايِخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي قَوْلِهِمْ " وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا " فَإِنَّ التَّطَوُّعَ يُقَالُ عَلَى السُّنَّةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ قَدْ جَمَعَهُمَا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَيَكْفِيهِمَا أَذَانٌ وَاحِدٌ