الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، لِأَنَّهُ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَيَخْتَصُّ بِمَكَانٍ تُؤَدَّى فِيهِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضِعُ لِصَلَاتِهَا فَيَتَحَقَّقُ انْتِظَارُهَا فِيهِ.
(وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ الْجُمُعَةِ) أَمَّا الْحَاجَةُ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ فِي تَقْضِيَتِهَا فَيَصِيرُ الْخُرُوجُ لَهَا مُسْتَثْنًى، وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطُّهُورِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلِأَنَّهَا مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ وَهِيَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخُرُوجُ إلَيْهَا مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ) قِيلَ: أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْجَامِعِ، أَمَّا الْجَامِعُ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ فِيهِ الْخَمْسُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّفَلُ يَجُوزُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ وَتُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِالْجَمَاعَةِ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ» وَمَعْنَى هَذَا مَا رَوَاهُ فِي الْمُعَارَضَةِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصِحُّ» ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ مَسْجِدِ الْأَقْصَى، ثُمَّ الْجَامِعُ. قِيلَ: إذَا كَانَ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي مَسْجِدِهِ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ، ثُمَّ كُلُّ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَكْثَرَ.
(قَوْلُهُ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) أَيْ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ، وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي الْجَامِعِ أَوْ فِي مَسْجِدِ حَيِّهَا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ فِي حَقِّهَا جَازَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ قَاضِي خَانْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا وَلَا إلَى نَفْسِ الْبَيْتِ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِهَا إذَا اعْتَكَفَتْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ، وَلَا تَعْتَكِفُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا، وَإِذَا أَذِنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا وَلَا يَمْنَعَهَا، وَفِي الْأَمَةِ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْإِذْنَ مَعَ الْكَرَاهَةِ الْمُؤَثِّمَةِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَسَاءَ وَأَثِمَ
(قَوْلُهُ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) رَوَى السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَيْضًا.
(قَوْلُهُ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ) هَذَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُجِيزُهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. وَأَمَّا عَلَى رَأْيِنَا فَلَا إذْ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ