وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَقَلُّهُ سَاعَةٌ فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ. لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقْعُدُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ. وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ الْقَطْعُ إبْطَالًا. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْيَوْمِ كَالصَّوْمِ.
، ثُمَّ الِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ " وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُزْءِ الْآخَرِ وَلَمْ يَسْتَلْزِمْ تَقْدِيرُ شَرْطِهِ تَقْدِيرَهُ لِمَا قُلْنَا.
وَقَوْلُ مَنْ حَقَّقَ الْوَجْهَ إنَّمَا ذَلِكَ لِلُزُومِ الْقَضَاءِ فِي شَرْطِهِ بَعِيدٌ عَنْ التَّحْقِيقِ بِحَسَبِ ظَاهِرِهِ. فَإِنَّ إفْسَادَ الِاعْتِكَافِ لَا يَسْتَلْزِمُ إفْسَادَ الصَّوْمِ لِيَلْزَمَ قَضَاؤُهُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ بِمَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَغَايَةُ مَا يُصَحَّحُ بِأَنْ يُرَادَ أَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ فَيَجِبُ لِذَلِكَ اسْتِئْنَافُ صَوْمٍ آخَرَ ضَرُورَةَ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ. وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ لُزُومَ الْقَضَاءِ لِلُزُومِهِ فِي الصَّوْمِ بَلْ بِالْعَكْسِ، فَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ إلَّا فِي مَنْذُورٍ أَفْسَدَهُ قَبْلَ إتْمَامِهِ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْمَسْنُونِ أَعْنِي الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ بِنِيَّتِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ أَنْ يَجِبَ قَضَاؤُهُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّرُوعِ فِي نَفْلِ الصَّلَاةِ نَاوِيًا أَرْبَعًا لَا عَلَى قَوْلِهِمَا.
وَمِنْ التَّفْرِيعَاتِ أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا مُتَطَوِّعًا أَوْ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الْيَوْمَ لَا يَصِحُّ. وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَقَلُّهُ أَكْثَرُ النَّهَارِ فَإِنْ كَانَ قَالَهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ لَزِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْتَكِفْهُ قَضَاهُ. وَهَذَا أَوْجَهُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ.
(قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ إلَخْ) ذَكَرَ وَجْهَهُ مِنْ الْمَعْنَى وَذَكَرْنَا آنِفًا وَجْهَهُ مِنْ السُّنَّةِ، وَحَمْلُ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ إيَّاهُ عَلَى أَنَّهُ اعْتَكَفَ مِنْ ثَانِي الْفِطْرِ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَمَا تَمَسَّكَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ جَاءَ مُصَرَّحًا فِي حَدِيثٍ «فَلَمَّا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ» عَلَيْهِ لَا لَهُ، لِأَنَّ مَدْخُولَ لَمَّا مَلْزُومٌ لِمَا بَعْدَهُ فَاقْتَضَى أَنَّهُ حِينَ أَفْطَرَ اعْتَكَفَ بِلَا تَرَاخٍ.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) أَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: أَلَا تَعْجَبُ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَ دَارِك وَدَارِ أَبِي مُوسَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عُكُوفٌ؟ قَالَ: فَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْت، أَوْ حَفِظُوا وَأُنْسِيت، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: إنَّ أَبْغَضَ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِدَعُ، وَإِنَّ مِنْ الْبِدَعِ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي فِي الدُّورِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَّمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ ". وَتَقَدَّمَ مَرْفُوعًا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ