نَهَانَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الشُّرْبِ فَكَذَا فِي الِادِّهَانِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِزِيِّ الْمُشْرِكِينَ وَتَنَعُّمٌ بِنِعَمِ الْمُتْرَفِينَ وَالْمُسْرِفِينَ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يُكْرَهُ وَمُرَادُهُ التَّحْرِيمُ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالِاكْتِحَالُ بِمِيلِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَالْمُكْحُلَةِ وَالْمِرْآةِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ آنِيَةٍ الرَّصَاصِ وَالزُّجَاجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ تُبَيِّنْ فِيمَا تَقَدَّمَ قَطُّ، وَكَذَا أَبْوَالُ الْإِبِلِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَلَمْ تُبَيِّنْ فِي شَيْءٍ مِنْ كِتَابَيْ الصَّلَاةِ وَالذَّبَائِحِ، وَإِنَّمَا بُيِّنَتْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَاتِ فِي فَصْلِ الْبِئْرِ فِي ضِمْنِ بَيَانِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مُطْلَقًا، وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَقَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالذَّبَائِحِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَمَحَّلَ فِي تَوْجِيهِ كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا فِي تَوْجِيهِ الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا فَبِأَنْ يُحْمَلَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي قَوْلِهِ قَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى مَا عَدَا الْأَلْبَانِ بِقَرِينَةِ بَيَانِ كَرَاهَةِ اللَّبَنِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلَا نُعِيدُهَا بِقَوْلِهِ وَاللَّبَنُ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ. وَأَمَّا فِي تَوْجِيهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا فَبِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَمَّا كَانَتْ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَبَادِيهَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ كِتَابِ الطَّهَارَاتِ بِكِتَابِ الصَّلَاةِ مُسَامَحَةً.
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَإِنَّمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ الْبَيَانَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَلْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي فَصْلِ الْبِئْرِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ الطَّهَارَةِ فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ كِتَابِ الصَّلَاةِ كَمَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَأَنْ لَا يُتَرْجَمَ لَهَا كِتَابٌ عَلَى حِدَةٍ انْتَهَى. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَآلَهُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِتَعْبِيرِهِ الْمَذْكُورِ الْإِشَارَةَ إلَى تَقْبِيحِ نَفْسِهِ فِيمَا فَعَلَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ مِنْ تَرْجَمَةِ الطَّهَارَاتِ بِكِتَابٍ عَلَى حِدَةٍ دُونَ فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَهَلْ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِشَارَةَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّ الشُّرَّاحَ ذَكَرُوا قَاطِبَةً فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَجْهًا وَجِيهًا لِإِيرَادِ الطَّهَارَةِ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ، فَكَوْنُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ الطَّهَارَةِ فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ، وَعَنْ هَذَا تَرَى أَكْثَرَ ثِقَاتِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ذَكَرُوا مَسَائِلَ الطَّهَارَةِ فِي كِتَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ شُرْبَ أَبْوَالِ الْإِبِلِ حَرَامٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا، وَحَلَالٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُطْلَقًا، وَلِلتَّدَاوِي فَقَطْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَذَكَرَ أَدِلَّتَهُمْ هُنَاكَ، لَكِنْ بُنِيَ دَلِيلُ مُحَمَّدٍ عَلَى طَهَارَتِهِ، مَعَ أَنَّ اسْتِلْزَامَ طَهَارَتِهِ حِلُّ شُرْبِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَأَنَّ طَهَارَتَهُ لَمْ تَلْزَمْ عِنْدَهُ إلَّا مِنْ حِلِّهِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا وُضِعَ شِفَاؤُكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» كَمَا سَبَقَ، فَبِنَاءُ حِلِّهِ عَلَى طَهَارَتِهِ دَوْرٌ ظَاهِرٌ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: حَدِيثُ الدَّوْرِ سَاقِطٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ حِلَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِلَّةً لِطَهَارَتِهِ فِي الْعَقْلِ بِأَنْ يَصِيرَ دَلِيلًا عَلَيْهَا. وَأَمَّا طَهَارَتُهُ فَإِنَّمَا تَكُونُ عِلَّةً لِحِلِّهِ فِي الْخَارِجِ فَاخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوا فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْحُمَّى عِلَّةٌ لِلْعُفُونَةِ فِي الذِّهْنِ وَالْعُفُونَةُ عِلَّةٌ لِلْحُمَّى فِي الْخَارِجِ، فَالِاسْتِدْلَالُ بِالْحُمَّى عَلَى الْعُفُونَةِ بُرْهَانٌ إنِّيٌّ وَبِعَكْسِهِ بُرْهَانٌ لَمِّيٌّ وَلَا دَوْرَ أَصْلًا، وَهَكَذَا الْحَالُ بَيْنَ كُلِّ مُؤَثِّرٍ وَأَثَرِهِ. فَإِنَّ الْأَوَّلَ عِلَّةٌ لِلثَّانِي فِي الْخَارِجِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي عِلَّةً لِلْأَوَّلِ فِي الْعَقْلِ: أَيْ دَلِيلًا عَلَيْهِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اسْتِدْلَالُنَا بِوُجُودِ الْعَالَمِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ
(قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الشُّرْبِ فَكَذَا فِي الِادِّهَانِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ)