الشُّفْعَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ، سُمِّيَتْ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ الْمُشْتَرَاةِ إلَى عَقَارِ الشَّفِيعِ. .
قَالَ (الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ ثُمَّ لِلْجَارِ) أَفَادَ هَذَا اللَّفْظُ ثُبُوتَ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِكُلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَقَدْ جَاءَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} [النمل: 21] أَيْ لَأُلْزِمَنَّهُ صُحْبَةَ الْأَضْدَادِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.
ثُمَّ إنَّ الشُّفْعَةَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ، سُمِّيَتْ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ الْمُشْتَرَاةِ إلَى مِلْكِ الشَّفِيعِ، وَمِنْهُ شَفَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُذْنِبِينَ؛ لِأَنَّهُ يَضُمُّهُمْ بِهَا إلَى الطَّاهِرِينَ.
وَفِي الشَّرِيعَةِ: هِيَ تَمَلُّكُ الْبُقْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَامَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ وَالْمُتُونِ، إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا تَمَلُّكُ الْعَقَارِ بَدَلَ تَمَلُّكِ الْبُقْعَةِ، وَصَرَّحَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ فِي آخِرِ التَّعْرِيفِ وَهُوَ قَوْلُهُ بِشَرِكَةٍ أَوْ جِوَارٍ وَتُرِكَ ذِكْرُهُ فِي الْأَكْثَرِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ. أَقُولُ: فِي الْكُلِّ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ هِيَ التَّمَلُّكُ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ، وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ: أَيْ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ وَتُمَلَّكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَحْقِيقَ التَّمَلُّكِ فِي الشُّفْعَةِ عِنْدَ أَخْذِ الْبُقْعَةِ الْمَشْفُوعَةِ بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ نَفْسَ ذَلِكَ التَّمَلُّكِ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَوْلِهِمْ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ صِحَّةً، إذَا الثُّبُوتُ وَالِاسْتِقْرَارُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ التَّحَقُّقِ وَحِينَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِشْهَادِ لَمْ يُوجَدْ الْأَخْذُ بِالتَّرَاضِي وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي لَا مَحَالَةَ فَلَمْ يُوجَدْ التَّمَلُّكُ أَيْضًا، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ نَفْسَ ذَلِكَ التَّمَلُّكِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَاسْتِقْرَارُهَا بِالْإِشْهَادِ.
وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حُكْمَ الشُّفْعَةِ جَوَازُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا، فَلَوْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ نَفْسَ التَّمَلُّكِ لَمَا صَلُحَ شَيْءٌ مِنْ جَوَازِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَثُبُوتِ الْمِلْكِ لَأَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِلشُّفْعَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ إنَّمَا هُوَ الْوُصُولُ إلَى تَمَلُّكِ الْبُقْعَةِ الْمَشْفُوعَةِ، وَعِنْدَ حُصُولِ تَمَلُّكِهَا الَّذِي هُوَ الشُّفْعَةُ عَلَى الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ لَا يَبْقَى مُحَالُ جَوَازِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ ضَرُورَةَ بُطْلَانِ طَلَبِ الْحَاصِلِ، وَحُكْمُ الشَّيْءِ يُقَارِنُ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَوْ يُعْقِبُهُ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصْلُحْ جَوَازُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ لَأَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِلشُّفْعَةِ عَلَى التَّقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الشُّفْعَةُ نَفْسَ التَّمَلُّكِ. وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ هُوَ عَيْنُ التَّمَلُّكِ فِي الْمَعْنَى، وَحُكْمُ الشَّيْءِ مَا يُغَايِرُهُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصْلُحْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ أَيْضًا لَأَنْ يَكُونَ حُكْمًا لِلشُّفْعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الشُّفْعَةِ نَفْسَ التَّمَلُّكِ. فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي تَعْرِيفِ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ الشُّفْعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ التَّمَلُّكِ فِي الْعَقَارِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ
اهـ. فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ حَقِيقَةُ الشُّفْعَةِ فِي الشَّرِيعَةِ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ دُونَ حَقِيقَةِ التَّمَلُّكِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِحَذَافِيرِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ، وَلَعَلَّ مُرَادَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا ذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ تَسَامَحُوا فِي الْعِبَارَةِ.
ثُمَّ إنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ اتِّصَالُ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِمِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ عَنْ الْأَصِيلِ وَهُوَ ضَرَرُ سُوءِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الضَّرَرُ عِنْدَ اتِّصَالِ مِلْكِ الشَّفِيعِ بِالْمَبِيعِ. وَكَانَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الشُّفْعَةُ تَجِبُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ تَجِبُ بِالطَّلَبِ، فَهُوَ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّ