يَضْمَنُ قِيمَتَهُ صَلِيبًا؛ لِأَنَّهُ مُقَرٌّ عَلَى ذَلِكَ. .
قَالَ (وَمَنْ غَصَبَ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرَةً فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْمُدَبَّرَةِ وَلَا يَضْمَنُ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ قِيمَتَهُمَا؛ لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْمُدَبَّرَةِ مُتَقَوِّمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَالِيَّةَ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ، وَالدَّلَائِلُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (كِتَابُ الشُّفْعَةِ)
وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الشُّفْعَةِ بِالْغَصْبِ تَمَلُّكُ إنْسَانٍ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا رِضَاهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. وَالْحَقُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً دُونَهُ، لَكِنَّ تَوَافُرَ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ مَعَ كَثْرَتِهِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْإِجَارَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمُزَارَعَاتِ أَوْجَبَ تَقْدِيمَهَا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ.
أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ الْوُجُوهَ الْمُوجِبَةَ لِتَرْتِيبِ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ عَلَى النَّمَطِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا قَدْ سَاقَتْ ذِكْرَ كِتَابِ الشُّفْعَةِ إلَى هُنَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ تَقْدِيمِ الْغَصْبِ عَلَى الشُّفْعَةِ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ تَوَفُّرَ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَخْ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَالْحَقُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ إلَخْ عِنْدَ مُلَاحَظَةِ تِلْكَ الْوُجُوهِ الْمُوجِبَةِ لِتَرْتِيبِ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ عَلَى النَّمَطِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ أَنْ تَنَبَّهَ لِبَعْضِ مَا قُلْنَاهُ: ثُمَّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ التَّقْدِيمِ إنَّ الْغَصْبَ يَعُمُّ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، وَالْأَعَمُّ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ الْغَصْبُ لَا يَعُمُّ الْعَقَارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حِينَئِذٍ، بَلْ الْغَصْبُ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْقُولِ دُونَ الْعَقَارِ كَمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْغَصْبِ مُفَصَّلًا وَمَشْرُوحًا، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى عُمُومُ الْغَصْبِ لِلْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ كَمَا مَرَّ أَيْضًا ثَمَّةَ، وَلَا وَجْهَ لِبِنَاءِ وَجْهِ التَّقْدِيمِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُنَا الْأَعْظَمُ وَإِمَامُنَا الثَّانِي، إذْ لَوْ كَفَى مُجَرَّدُ كَوْنِ الْعُمُومِ مَحَلَّ اجْتِهَادِ مُجْتَهِدٍ لَمْ يَتِمَّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ أَيْضًا تَعُمُّ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي السُّفُنِ أَيْضًا عِنْدَهُ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ.
ثُمَّ إنَّ مِنْ مَحَاسِنِ الشُّفْعَةِ دَفْعَ ضَرَرِ الْجِوَارِ وَهُوَ مَادَّةُ الْمَضَارِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا إضْرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَلَا شَكَّ لِأَحَدٍ فِي حُسْنِ دَفْعِ ضَرَرِ التَّأَذِّي بِسَبَبِ سُوءِ