{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ غَيْرِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ أَيْضًا، فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ؟ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا فَمَا فَائِدَةُ بَيَانِ وُقُوعِ الِاحْتِرَازِ بِهِ عَنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ فَقَطْ، إذْ يُنْتَفَضُ حِينَئِذٍ مَا ذَكَرَهُ فِي وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْأَغْيَارِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ إنْ وَجَبَ الِاطِّرَادُ فِي وُجُوهِ الْمُنَاسَبَاتِ بَيْنَ كُتُبِ هَذَا الْفَنِّ لَزِمَ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ فَيَلْزَمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ، فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الِاحْتِرَازِ عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الِاطِّرَادُ فِيهَا، بَلْ كَفَى تَحَقُّقُ كُلٍّ مِنْهَا فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ سَوَاءٌ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا أَمْ لَا لَمْ يَكُنْ فَائِدَةٌ فِي بَيَانِ وُقُوعِ الِاحْتِرَازِ بِمَا ذَكَرَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، سِيَّمَا إذَا لَمْ يَنْحَصِرْ مَا يَقَعُ الِاحْتِرَازُ بِذَلِكَ عَنْهُ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَةِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ فِي وُجُوهِ الْمُنَاسَبَاتِ بَيْنَ هَذِهِ الْكُتُبِ هُوَ الِاطِّرَادُ، وَأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَاهُنَا لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ فِي غَيْرِ مَا نَحْنُ فِيهِ أَصْلًا كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ فَكَانَ مُطَّرِدًا، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ مَا وَقَعَ عَنْهُ الِاحْتِرَازُ بِذَلِكَ الْوَجْهِ. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ نَقَلَ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَبَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَوْرَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَبِهَذَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ: يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ. وَقَوْلُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ خَرَجَ بِهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ فِيهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ نَقْلِهِ وَبَيَانِهِ اخْتِلَالٌ. أَمَّا فِي نَقْلِهِ فَلِأَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ النِّهَايَةِ، وَقَدْ ضَمَّهَا فِي النَّقْلِ إلَى الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَأَمَّا فِي بَيَانِهِ فَلِأَنَّهُ قَيَّدَ الْهِبَةَ فِي الْبَيَانِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَأَطْلَقَهَا فِي أَثْنَاءِ النَّقْلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ يُخْرِجُهَا عَنْ الْإِطْلَاقِ، إذْ الْهِبَةُ بِلَا شَرْطٍ عِوَضٌ لَا مُقَابَلَةَ فِيهَا أَصْلًا فَتَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا تَخْرُجُ بِهِ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ فِي الْبَيَانِ. وَأَيْضًا لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ مَذْكُورًا فِي نُسَخِ النِّهَايَةِ وَلَا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهَا، وَقَدْ تَعَرَّضَ فِي الْبَيَانِ لِخُرُوجِ النِّكَاحِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَأَيْضًا كَانَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مُطْلَقَيْنِ فِي الْمَنْقُولِ، وَقَدْ قُيِّدَ مَا فِي الْبَيَانِ بِكَوْنِهِمَا عَلَى مَالٍ وَجَعَلَهُمَا خَارِجَيْنِ بِقَوْلِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ خُرُوجَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ مَالٍ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَيْدَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ بِقَيْدِ الْمُقَابَلَةِ فِي قَوْلِهِ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْهِبَةِ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: إنَّ ذِكْرَ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ كَانَ أَنْسَبَ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي كِتَابَ الْمُكَاتَبِ وَكِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْعِتْقُ بِمَالٍ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَزَيَّفَهُ حَيْثُ قَالَ: وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ ذِكْرَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ كَانَ أَنْسَبَ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْوَلَاءُ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ