وَالْإِذْنُ وَإِنْ ثَبَتَ لِأَجْلِ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ مَا قَبَضَهُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ فَلَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ الرَّدُّ مُؤْنَةً كَنَفَقَةِ الْمُسْتَعَارِ فَإِنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا لِنَقْضِ الْقَبْضِ.
وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ (وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُؤَاجِرَ مَا اسْتَعَارَهُ؛ فَإِنْ آجَرَهُ فَعَطِبَ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَلِإِنَّا لَوْ صَحَّحْنَاهُ لَا يَصِحُّ إلَّا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْمُعِيرِ، وَفِي وُقُوعِهِ لَازِمًا زِيَادَةُ ضَرَرٍ بِالْمُعِيرِ لِسَدِّ بَابِ الِاسْتِرْدَادِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَدَرَجَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورَ إيَّاهُ فِي احْتِمَالَاتِ إيجَابِ الضَّمَانِ وَنِسْبَتِهِ ذَلِكَ إلَى الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ يَعْنِي خُرُوجًا عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَالْإِذْنُ وَإِنْ ثَبَتَ لِأَجْلِ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ مَا قَبَضَهُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ فَلَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِذْنُ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهُ. وَتَقْرِيرُهُ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ: يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِضَرُورَةِ الِانْتِفَاعِ، لَكِنَّ الْقَبْضَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَعَدٍّ وَلَا ضَمَانَ بِدُونِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. أَقُولُ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَبْضُ أَيْضًا إلَّا لِضَرُورَةِ الِانْتِفَاعِ كَانَتْ صِحَّةُ الْقَبْضِ مُقَدَّرَةً بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ إنَّمَا هِيَ فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ هَلَكَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا.
وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ فِي غَيْرِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ لِكَوْنِ هَلَاكِهَا فِيمَا وَرَاءَ الضَّرُورَةِ. فَالْأَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِذْنُ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يُظْهِرُ فِيمَا وَرَاءَهُ طَرِيقَةَ الْمَنْعِ لَا الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهَا صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَالْإِذْنُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ ثَبَتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ. قُلْنَا: لَمَّا مَسَّتْ الْحَاجَةُ وَالضَّرُورَةُ إلَى إظْهَارِ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ فِي حَالَةِ الِانْتِفَاعِ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى إظْهَارِ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِانْتِفَاعِ أَيْضًا وَهِيَ حَالَةُ الْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ كَمَا يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَا سَاعَةً وَيُمْسِكُ أُخْرَى، وَلَوْ انْتَفَعَ بِالْعَارِيَّةِ دَائِمًا يَضْمَنُ كَمَا إذَا رَكِبَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فِيمَا لَا يَكُونُ الْعُرْفُ كَذَلِكَ، فَثَبَتَ أَنَّ الْقَبْضَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِانْتِفَاعِ أَيْضًا مَأْذُونٌ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، إلَى هُنَا انْتَهَى كَلَامُهُ. وَأُشِيرَ إلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْجَوَابِ فِي الْكَافِي وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَيْضًا فَتَبَصَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الْعَقْدِ لَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ