ثَبَتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَهُ، وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَلَنَا أَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْتِزَامِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لِإِبَاحَتِهَا، وَالْقَبْضُ لَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ: وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ: يَعْنِي مُؤْنَةَ الرَّدِّ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا فِي الْغَصْبِ، وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ إذَا هَلَكَ ضَمِنَ فَكَذَا هَذَا. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: حَمَلَ الشَّارِحُ الْمَذْكُورَ قَوْلَ الْمُصَنَّفِ وَلِهَذَا عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى كَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَسَكَتَ سَائِرُ الشُّرَّاحِ عَنْ الْبَيَانِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ، فَالْمَعْنَى وَلِكَوْنِهِ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ، وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ، فَبِمُقْتَضَى كَوْنِ الْمَعْطُوفِ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ هَذَا إشَارَةً إلَى كَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا، وَلِكَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا صَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرْته فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَلِكَوْنِهِ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ صَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ حَدِيثَ كَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ لَا عُمْدَةَ فِي الِاسْتِدْلَالِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا هُوَ الْعُمْدَةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَحَقُّ بِأَنْ يُفَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي أَخَّرَ حَدِيثَ كَوْنِ الْإِذْنِ ضَرُورِيًّا عَنْ تَفْرِيعِ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ اللَّفْظَ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْتِزَامِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لِإِبَاحَتِهَا، وَالْقَبْضُ لَمْ يَقَعْ تَعَدِّيًا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِي حَمْلِ هَذَا الْمَحَلِّ: يَعْنِي أَنَّ الضَّمَانَ إمَّا أَنْ يَجِبَ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالْإِذْنِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ لَهُ. أَمَّا الْعَقْدُ فَلِأَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْعَارِيَّةُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْتِزَامِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ لِإِبَاحَتِهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْعَيْنِ حَتَّى يُوجِبَ الضَّمَانَ عِنْدَ هَلَاكِهِ.
وَأَمَّا الْقَبْضُ فَإِنَّمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إذَا وَقَعَ تَعَدِّيًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ. وَأَمَّا الْإِذْنُ فَلِأَنَّ إضَافَةَ الضَّمَانِ إلَيْهِ فَسَادٌ فِي الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ فِي قَبْضِ الشَّيْءِ يَنْفِي الضَّمَانَ فَكَيْفَ يُضَافُ إلَيْهِ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ الْإِذْنِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ مِمَّا لَا يَخْطِرُ بِبَالِ أَحَدٍ أَصْلًا، وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِنَفْيِ ذَلِكَ قَطُّ فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ حُجَّتِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،