لَا يَرْبَحُ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَتَنْقَطِعُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ ابْتَغَى عَنْ مَنَافِعِهِ عِوَضًا وَلَمْ يَنَلْ لِفَسَادِهِ، وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْحَكَمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحِّ الْمُضَارَبَةُ وَلَا تُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا بَيَّنَّا فِي الشَّرِكَةِ، وَيَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّ أَجْرَ الْأَجِيرِ يَجِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَنَافِعِ أَوِ الْعَمَلِ وَقَدْ وُجِدَ

. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ أَنَّهَا فَوْقَهَا، وَالْمَالُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ اعْتِبَارًا بِالصَّحِيحَةِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQذَهَبَ عَامَّةُ الشُّرَّاحِ إِلَى أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ شَرَطَ، لِلتَّفْسِيرِ وَزِيَادَةُ عَشْرَةً، أَيْ: عَلَى مَا شَرَطَا كَالنِّصْفِ وَالثُّلْثِ فَلَهُ، أَيْ: فَلِلْعَامِلِ.

أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ مُخْتَصِرِ الْقُدُورِيِّ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى أَعَمُّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٌ لِأَحَدِهِمَا يَتَمَشَّى فِي صُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى كَالْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا: مِنْهَا أَنَّ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنَ الرِّبْحِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، وَمِنْهَا أَنَّ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفَ الرِّبْحِ أَوْ ثُلْثِهِ إِلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْهَا أَنَّ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلْثُهُ وَيُزَادُ عَشَرَةً، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ بِنَاءً عَلَى أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْمَزْبُورَةِ يَقْطَعُ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَرْبَحُ إِلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى أَوْ أَقَلَّ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ عَشْرَةً فَإِنَّمَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةٍ ثَالِثَةٍ مِنَ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَخَصُّ مُفَسِّرًا لِلْأَعَمِّ.

وَثَانِيهُمَا: أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَسَادُ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بِاشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لِأَحَدِهِمَا، وَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدَ الْمُتَخَالِفِينَ فِي الْحُكْمِ مُفَسِّرًا لِلْآخَرِ فَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةً لِلتَّفْرِيعِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى بَيَانُ أَنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ يُفْسِدُ بِاشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدِينَ، وَبِالثَّانِيَةِ بَيَانُ أَنَّ حُكْمَ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةَ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا عَرِفْتَ فَسَادَ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ بِاشْتِرَاطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لِأَحَدِهِمَا فَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ فَسَادِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّفْرِيعِ صُورَةَ اشْتِرَاطِ زِيَادَةِ عَشْرَةً لِكَوْنِهَا هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ فِيهَا وَمِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يُغَيِّرُ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِي، وَلَكِنْ دَفْعُ احْتِمَالِ تَوَهُّمِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ الْحَكَمِ بِالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: وَهَذَا هُوَ الْحَكَمُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ تَصِحِّ الْمُضَارَبَةُ.

(قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ أَنَّهَا فَوْقَهَا) ، فَإِنْ قُلْتُ: مَا جَوَابُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ الْقَوِيِّ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ أَبَدًا مِنَ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْ جِنْسِهِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ قُلْتُ: جَوَابُهُ هُوَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015