لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ. وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ لَكِنْ يَقَعُ الْمَلِكُ فِي الْمُشْتَرَى لِلْآمِرِ فَيَصِيرُ مُضَارَبَةً بِالْعَرَضِ. قَالَ (وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُشَاعًا لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً) مِنَ الرِّبْحِ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ. قَالَ (فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِفَسَادِهِ فَلَعَلَّهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ لَا رُكْنٌ دَاخِلٌ فِيهِ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا أَيْضًا حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَعْضُ وَشَيْءٌ مُنَافٍ لِصِحَّتِهَا: مُضَادٌّ لَهَا عَلَى مُقْتَضَى التَّحْقِيقِ، كَمَا مَرَّ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَصْلُحُ الْجُزْئِيَّةُ مِنْهَا. فَحَدِيثُ الْجُزْئِيَّةِ فِي تَمْشِيَةِ التَّعْلِيلِ الْمَزْبُورِ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا حَامَ حَوْلَهُ سِوَى الشَّارِحِينَ الْمَذْكُورِينَ، فَالْوَجْهُ فِي تَمْشِيَةِ ذَلِكَ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَافِي؛ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفِ الْمُضَارَبَةَ إِلَى الْعَرْضِ وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَى ثَمَنِهِ وَالثَّمَنُ مِمَّا يَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ بِهِ وَالْإِضَافَةُ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَكَالَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ إِجَارَةٌ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِضَافَةِ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اهـ. نَعَمْ فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ وَهُوَ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ إِجَارَةٌ بَعْدَ فَسَادِهَا لَا فِي حَالِ صِحَّتِهَا، فَلَا مَعْنًى لِدَرْجِ الْإِجَارَةِ فِي تَعْلِيلِ صِحَّتِهَا فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ دَرْجُهَا فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ: كَأَنَّهُ قِيلَ: لَيْسَ فِي عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ مَا يَمْنَعُ عَنِ الْإِضَافَةِ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَلَا بَعْدَ فَسَادِهِ فَتَأَمَّلَ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ لِي بَحْثٌ قَوِيٌّ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَهُوَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُضَارَبَةَ إِيدَاعٌ ابْتِدَاءً وَتَوْكِيلٌ عِنْدَ الْعَمَلِ وَشَرِكَةٌ بَعْدَ الرِّبْحِ. وَقَدْ صَرَّحُوا فِي مَحَلِّهِ بِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إِضَافَتُهُ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تِسْعَةً وَعَدُّوا مِنْهَا الشَّرِكَةَ. فَإِذَا لَمْ تَصِحُّ إِضَافَةُ الشَّرِكَةِ إِلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ وُجِدَ فِي الْمُضَارَبَةِ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ وَهُوَ الشَّرِكَةُ. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْمَانِعِ؛ إِذْ لَا رَيْبَ أَنَّ ارْتِفَاعَ مَنْعِ أُمُورٍ لَا يُجْدِي عِنْدَ تَحَقُّقِ مَانِعٍ آخَرَ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ عِنْدَ، أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ) ، وَإِذَا لَمْ يَصِحُّ هَذَا التَّوْكِيلُ كَانَ الْمُشْتَرَى لِلْمُشْتَرِي وَالدِّينُ بِحَالِهِ، فَكَانَ رَأْسُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارِبِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا لَمْ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ لَمْ تَصِحِّ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الْجُزْءِ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكُلِّ، اهـ.

أَقُولُ: قَدْ مَرَّ بِنَا أَنَّ حَدِيثَ كَوْنِ الْوَكَالَةِ جُزْءًا مِنَ الْمُضَارَبَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَكَالَةَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمُضَارَبَةِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى صِحَّةِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ ثَابِتٌ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لَا قَبْلِهُ فَلَا مَجَالَ لِأَنْ تَكُونُ جُزْءًا مِنْهَا فَلَا بُدَّ فِي بَيَانِ بُطْلَانِ الْمُضَارَبَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ بُطْلَانِ ذَاكَ التَّوْكِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ. نَعَمْ إِنَّهُمَا قَالَا أَيْضًا: بِجُزْئِيَّةِ الْوَكَالَةِ مِنَ الْمُضَارَبَةِ فِيمَا مَرَّ وَلَكِنَّهُمَا أَصَابَا فِي تَرْكِ ذَلِكَ هَاهُنَا. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةَ عَشَرَةً فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهُ) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015