(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)

الْمُضَارَبَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ سُمِّيَ بِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوِقَايَةِ وَكَذَا عِبَارَةُ مَتْنِ ذَلِكَ الْقَائِلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا. وَفِي صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْ تَرِكَةٍ جُهِلَتْ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ اخْتِلَافٌ، انْتَهَى.

فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ التَّفْصِيلُ الْمَزْبُورُ، فَهَلَّا هِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الشِّقِّ الثَّالِثِ مِنْهُ وَهُوَ مَا لَمْ يَدْرِ حَالَ التَّرِكَةِ، فَالْجَوَابُ بِالِاخْتِلَافِ لَا غَيْرَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ عَامَّةً.

[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

قَدْ مَرَّ وَجْهُ الْمُنَاسِبَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِقْرَارِ وَالْمُضَارَبَةِ فِي اللُّغَةِ: مُفَاعَلَةٌ، مِنْ ضَرْبِ الْأَرْضِ إِذَا سَارَ فِيهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] يَعْنِي الَّذِينَ يُسَافِرُونَ فِي الْأَرْضِ لِلتِّجَارَةِ؛ وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا طَلَبًا لِلرِّبْحِ.

وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ عَلَى الشَّرِكَةِ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَعَمَلٍ مِنَ الْآخَرِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ.

وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَمَنْ يَحْذُو: هِيَ حَذْوهُ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إِلَى غَيْرِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا.

أَقُولُ: فِيهِ فُتُورٌ؛ إِذِ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِي الشَّرِيعَةِ لَيْسَتْ نَفْسَ الدَّفْعِ الْمَزْبُورِ، بَلْ هِيَ عُقَدٌ يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ مَعَهُ. وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِأَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ: دَفَعْتُ هَذَا إِلَيْكَ مُضَارَبَةً أَوْ مُقَارَضَةً أَوْ مُعَامَلَةً، أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَنَا عَلَى كَذَا، وَيَقُولُ الْمُضَارِبُ: قَبِلْتُ أَوْ مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى. وَشُرُوطُهَا كَثِيرَةٌ تُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ.

قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَشُرُوطُهَا نَوْعَانِ: صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِفَوَاتِهِ، وَفَاسِدَةٌ تَفْسَدُ فِي نَفْسِهَا وَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ، اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ أَيْضًا نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُفْسِدُ الْعَقْدَ أَيْضًا، وَنَوْعٌ يَفْسُدُ فِي نَفْسِهِ وَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا نَصَّ عَلَيْهِ هَاهُنَا فِي النِّهَايَةِ، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَيْضًا.

وَعِبَارَةُ الْعِنَايَةِ تُشْعِرُ بِانْحِصَارِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْهَا فَكَانَتْ قَاصِرَةً. وَحُكْمَهَا: الْإِيدَاعُ وَالْوَكَالَةُ وَالشَّرِكَةُ بِحَسْبِ الْأَوْقَاتِ، كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتُّحْفَةِ وَغَيْرهَا عَلَى مَا فُصِّلَ فِي النِّهَايَةِ.

قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَحُكْمُهَا الْوَكَالَةُ عِنْدَ الدَّفْعِ وَالشَّرِكَةُ بَعْدَ الرِّبْحِ.

أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ حُكْمَهَا عِنْدَ الدَّفْعِ هُوَ الْإِيدَاعُ، وَإِنَّمَا الْوَكَالَةُ حُكْمُهَا عِنْدَ التَّصَرُّفِ وَالْعَمَلِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى الْمُتُونِ؛ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ: وَهِيَ إِيدَاعٌ أَوَّلًا وَتَوْكِيلٌ عِنْدَ عَمَلِهِ وَشَرِكَةٌ إِنْ رَبِحَ. وَأَمَا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْإِيدَاعَ عِنْدَ بَيَانِ حُكْمِهَا وَهُوَ حُكْمٌ لَهَا أَيْضًا يَثْبُتُ بِهَا أَوَّلًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ: وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ: إِيدَاعٌ وَوَكَالَةٌ وَشَرِكَةٌ وَإِجَارَةٌ وَغَصْبٌ.

أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا خَلَلٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِجَارَةِ إِنَّمَا يَظْهَرُ إِذَا فَسَدَتِ الْمُضَارَبَةُ، وَمَعْنَى الْغَصْبِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا خَالَفَ الْمُضَارِبُ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا، كَمَا سَيَأْتِي، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ نَاقِضٌ لِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ مُنَافٍ لِصِحَّتِهَا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَجْعَلَ الْإِجَارَةَ وَالْغَصْبَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِهَا، وَحُكْمُ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِهِ وَالَّذِي يَثْبُتُ ثَمَنًا فِيهِ لَا يَثْبُتُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015