وَلَوْ كَانَتِ التَّرِكَةُ غَيْرَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَكِنَّهَا أَعْيَانٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ قِيلَ: لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ بَيْعًا إِذِ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَيْنٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ لِقِيَامِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فِي يَدِ الْبَقِيَّةِ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَلَا الْقِسْمَةُ لِأَنَّ التَّرِكَةَ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا الْوَارِثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالِحُوا مَا لَمْ يَقْضُوا دَيْنَهُ فَتُقَدَّمَ حَاجَةُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ فَعَلُوا قَالُوا يَجُوزُ. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقِسْمَةِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَتَجُوزُ قِيَاسًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَتَبَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، فِيهِ بَحْثٌ.
أَقُولُ: لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْبَحْثِ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ أَقَلَّ مِمَّا أَخَذَهُ لَا يُلْزِمُ الرِّبَا لِمَا بَيَّنَاهُ فِيمَا مَرَّ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ فِي أَثْنَاءِ بَيَانِ احْتِمَالِ الرِّبَا، لَكِنَّهُ سَاقِطٌ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ فَيَلْزَمُ الرِّبَا، أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا إِلَّا أَنَّهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَلْزَمُ الرِّبَا، فَإِنَّهُمْ بِصَدَدِ بَيَانِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعْتَبِرَةٍ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ بَيَانِ احْتِمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبِيِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ؛ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، فَإِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ احْتِمَالُ جَانِبِ الصِّحَّةِ قَطْعًا. كَيْفَ وَلَوْ كَانَ الِاحْتِمَالُ مَقْصُورًا عَلَى جَانِبِ الْفَسَادِ لَكَانَ اللَّازِمُ حَقِيقَةً الرِّبَا لَا شُبْهَةَ الرِّبَا، فَضْلًا عَنْ شُبْهَةِ شَبَّهْتِهِ تَأَمَّلْ تَقَفَّ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ بَعْدَ مَا بَيْنَ الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ قَالَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَقُّ الْجَوَابِ التَّفْصِيلُ بِأَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسٌ بُدِّلَ الصُّلْحُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُدْرَ حَالَ التَّرِكَةِ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ: أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا احْتِيَاجَ هَاهُنَا إِلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّفْصِيلِ أَصْلًا؛ إِذِ الشِّقَّانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ تَفْصِيلِهِ قَدْ اسْتُغْنِيَ عَنْهُمَا بِالْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ سَابِقًا عَلَى الِاسْتِقْلَالِ: إِحْدَاهُمَا قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ فِضَّةً وَذَهَبًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ... إِلَخْ. وَأُخْرَاهُمَا قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ: وَإِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ بَيْنَ وَرَثَةٍ فَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ مِنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إِيَّاهُ وَالتَّرِكَةُ عَقَارٌ أَوْ عَرُوضٌ، جَازَ قَلِيلًا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ إِيَّاهُ أَوْ كَثِيرًا.
وَأَمَا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَخْلُو عَنِ اخْتِلَالٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُ بَدَلِ الصُّلْحِ لَا يَجُوزُ، لَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ جَنَّسُ بَدَلِ الصُّلْحِ وَلَكِنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ قَدْرًا مِنْ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ يَجُوزُ الصُّلْحُ قَطْعًا، كَمَا مَرَّ مُفَصَّلًا وَمُدَلَّلًا. وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُ بَدَلِ الصُّلْحِ وَلَكِنْ كَانَ فِيهَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَكَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ أَيْضًا يَجُوزُ الصُّلْحُ قَطْعًا، كَمَا مَرَّ أَيْضًا مُسْتَوْفَى.
وَأَمَا ثَالِثًا: فَلِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ لَا تَقْبَلُ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ جِدًّا؛ إِذْ قَدْ اعْتُبِرَ فِيهَا كَوْنُ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ، فَإِنَّ عِبَارَةَ هَذَا الْكِتَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَأَعْيَانُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَالصُّلْحُ عَلَى الْمُكَيَّلِ وَالْمَوْزُونِ قِيلَ: لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ. وَعِبَارَةُ