(وَلَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ) لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اسْتِعْمَالِهِ اعْتِبَارُهُ بِالْمُفَسَّرِ: أَيْ بِالْعَدَدِ الصَّرِيحِ، فَمَا لَهُ نَظِيرٌ فِي الْأَعْدَادِ الْمُفَسَّرَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا.

وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا (وَلَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا فَهُوَ دِرْهَمٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ: يَعْنِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ دِرْهَمًا فِي قَوْلِهِ كَذَا دِرْهَمًا (تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ) أَيْ تَمْيِيزٌ لِلشَّيْءِ الْمُبْهَمِ وَهُوَ كَذَا لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ الْمُبْهَمِ وَأَقَلُّهُ الْمُتَيَقَّنِ وَاحِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يُعَدُّ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعَدُّ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ. وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إذَا قَالَ كَذَا دِينَارًا فَعَلَيْهِ دِينَارَانِ، لِأَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يُعَدُّ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعَدُّ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ.

وَقَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا دِينَارًا فَعَلَيْهِ دِينَارَانِ؛ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَأَقَلُّ الْعَدَدِ اثْنَانِ انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيمَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِ الْوَاحِدِ مِنْ الْعَدَدِ إنَّمَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْحِسَابِ وَأَمَّا فِي الْوَضْعِ وَاللُّغَةِ فَهُوَ مِنْ الْعَدَدِ قَطْعًا، وَعَنْ هَذَا تَرَى أَئِمَّةَ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ قَاطِبَةً جَعَلُوا أُصُولَ الْعَدَدِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَاحِدٌ إلَى عَشَرَةٍ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: الْأَحَدُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ وَهُوَ أَوَّلُ الْعَدَدِ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُحَقِّقُ الرَّضِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ: لَا خِلَافَ عِنْدَ النُّحَاةِ فِي أَنَّ لَفْظَ وَاحِدٍ وَاثْنَانِ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ، وَعِنْدَ الْحِسَابِ لَيْسَ الْوَاحِدُ مِنْ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْعَدَدَ عِنْدَهُمْ هُوَ الزَّائِدُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الِاثْنَانِ مِنْ الْعَدَدِ انْتَهَى.

وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ كَذَا كِنَايَةً عَنْ الْعَدَدِ لَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْحِسَابِ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ جَارٍ عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ وَاللُّغَةِ، فَكَوْنُ أَقَلِّ الْعَدَدِ اثْنَيْنِ عِنْدَ الْحِسَابِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُقِرِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ دِرْهَمَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحَدَ عَشَرَ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْعَدَدِ الَّذِي يَقَعُ مُمَيِّزُهُ مَنْصُوبًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي دِرْهَمٍ وَالْقِيَاسُ فِيهِ مَا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ: إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَةً وَفَسَّرَهَا بِدِرْهَمٍ مَنْصُوبٍ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ عِشْرِينَ إلَى تِسْعِينَ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ وَهُوَ عِشْرُونَ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يَجِيءُ مُمَيِّزُهُ مَنْصُوبًا. قُلْت: الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ الْأَدْنَى لِلتَّيَقُّنِ انْتَهَى.

أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَصْلِ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ إنَّمَا يَقْتَضِي كَوْنَ الثَّابِتِ أَدْنَى مَا يَتَحَمَّلُهُ لَفْظُ الْمُقِرِّ دُونَ الْأَدْنَى مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى.

وَمَعْنَى السُّؤَالِ أَنَّ أَدْنَى مَا يَتَحَمَّلُهُ لَفْظُ الْمُقِرِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ أَحَدَ عَشَرَ بِدَلَالَةِ كَوْنِ الْمُمَيِّزِ مَنْصُوبًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَمَا ذَكَرَ فِي الْجَوَابِ لَا يَدْفَعُهُ قَطْعًا. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ كَذَا دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَ نَظِيرَ الْأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كَوْنِ الْمُمَيِّزِ مَنْصُوبًا لَكِنْ لَيْسَ بِنَظِيرٍ لَهُ فِي نَفْسِ مَا يُمَيِّزُهُ الْمَنْصُوبُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ عَشَرَ عَدَدٌ مُرَكَّبٌ وَلَفْظُ كَذَا لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ نَفْسُ كَذَا نَظِيرًا لِنَفْسِ أَحَدَ عَشَرَ لَمْ يُفِدْ الِاشْتِرَاكَ فِي مُجَرَّدِ كَوْنِ مُمَيِّزِهِمَا مَنْصُوبًا، وَهَذَا أَمْرٌ لَا سُتْرَةَ بِهِ.

قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ: وَقِيلَ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ كَذَا يُذْكَرُ لِلْعَدَدِ عُرْفًا، وَأَقَلُّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالنَّصْبِ عِشْرُونَ انْتَهَى. وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْكَنْزِ نَقْلًا عَنْهُ.

وَقَالَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَصَاحِبُ الْحِلْيَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ إذَا قَالَ كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَهُ عِشْرُونَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُفَسِّرُهُ الْوَاحِدُ الْمَنْصُوبُ خِلَافُ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِنَا اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ مَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ أَوْ لَمْ يَعُدَّهُمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِنَا، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ مَنْقُولًا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَصْحَابِنَا: ثُمَّ إنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَنْقُولِ الْمَزْبُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُفَسِّرُهُ الْوَاحِدُ الْمَنْصُوبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015