لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْكِرُ فِيهِ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ) لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: غَصَبْت مِنْهُ شَيْئًا وَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكِيلًا كَانَ أَوْ مَوْزُونًا أَوْ عَدَدِيًّا نَحْوُ كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ جَوْزَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يُسَاعِدَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ سَاعَدَهُ أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ بَلْ ادَّعَى عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُقِرَّ (هُوَ الْمُنْكِرُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ) أَيْ لَزِمَهُ هُنَا أَيْضًا أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِيهَا. وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُسْتَزَادِ: وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ حَقٌّ ثُمَّ قَالَ مَفْصُولًا عَنَيْت بِهِ حَقَّ الْإِسْلَامِ لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ قَالَ مَوْصُولًا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ بَيَانٌ يُعْتَبَرُ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ حَقُّ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ حُقُوقٌ مَالِيَّةٌ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَكَذَا لَوْ قَالَ: غَصَبْتُ مِنْهُ شَيْئًا) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ يَعْنِي لَوْ قَالَ: غَصَبْت مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَزِمَهُ الْبَيَانُ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَتَحَقُّقِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَالْإِقْرَارُ بِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ كَالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا مَجْهُولًا فِي كِيسٍ أَوْ أَوْدَعَهُ مَالًا مَجْهُولًا فِي كِيسٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْغَصْبُ الْوَدِيعَةُ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُمَا، وَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَتَحَقُّقِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَالْإِقْرَارُ بِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ وَذَلِكَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ أَجَّرَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ كَذَا بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى تَسْلِيمِ شَيْءٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً.
وَلَوْ عَايَنَّا أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا مَجْهُولًا لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ شَيْءٍ بِحُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، وَلَوْ عَايَنَّا أَنَّهُ غَصَبَ شَيْئًا مَجْهُولًا فِي كِيسٍ يُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْغَصْبِ مَعَ الْجَهَالَةِ يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى الْبَيَانِ حَقًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ (وَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ مَالٌ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ تَعْوِيلًا عَلَى الْعَادَةِ) أَيْ اعْتِمَادًا عَلَيْهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: رَجُلٌ قَالَ: غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ وَيَلْزَمُهُ مَا يُبَيِّنُهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ شَيْئًا هُوَ مَالٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ حَقِيقَةً اسْمٌ لِمَا هُوَ مَوْجُودٌ مَالًا، كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ، إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَالِيَّةِ فِيهِ، فَإِنَّ الْغَصْبَ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى مَا هُوَ مَالٌ، وَمَا ثَبَتَ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فَهُوَ كَالْمَلْفُوظِ كَقَوْلِهِ: اشْتَرَيْت مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا يَكُونُ إقْرَارًا بِشِرَاءِ مَا هُوَ مَالٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ بَيْنَ النَّاسِ، حَتَّى لَوْ فَسَّرَهُ بِحَبَّةِ حِنْطَةٍ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْغَصْبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ فَغَصَبَهُ وَهَذَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ، فَإِذَا بَيَّنَ شَيْئًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ قُبِلَ بَيَانُهُ لِأَنَّ هَذَا بَيَانٌ مُقَرَّرٌ لِأَصْلِ كَلَامِهِ وَبَيَانُ التَّقْرِيرِ يَصِحُّ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا، وَيَسْتَوِي أَنْ يُبَيِّنَ شَيْئًا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ أَوْ لَا يُضْمَنُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَجْرِي فِيهِ التَّمَانُعُ حَتَّى إذَا بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ خَمْرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ دَارٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا إذَا بَيَّنَ أَنَّ الْمَغْصُوبَ زَوْجَتُهُ أَوْ وَلَدُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَيَانُهُ مَقْبُولٌ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمُبْهَمِ كَلَامِهِ فَإِنَّ لَفْظَ الْغَصْبِ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ عَادَةً، وَالتَّمَانُعُ