. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQابْتِدَاءً؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَالْإِنْشَاءُ يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِنْدَنَا، وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ كَرَمِهِ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ بِطِيبٍ مِنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِلَا تَصْدِيقٍ وَقَبُولٍ وَلَكِنْ يَبْطُلُ بِرَدِّهِ، وَالْمُقَرُّ لَهُ إذَا صَدَّقَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّهُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ: وَحُكْمُهُ لُزُومُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ، وَعَمَلُهُ إظْهَارُ الْمُخْبَرِ بِهِ لِغَيْرِهِ لَا التَّمْلِيكُ بِهِ ابْتِدَاءً. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ لَا يَمْلِكُهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ الْمُقِرُّ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمَا صَحَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ يَصِحُّ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمْ يَصِحَّ. وَالثَّالِثَةُ أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ إذَا أَقَرَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمْ يَنْفُذْ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَتِهِمْ.

وَالرَّابِعَةُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ ابْتِدَاءً كَانَ تَبَرُّعًا مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ. وَأَمَّا دَلِيلُ كَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى الْمُقِرِّ فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَنَوْعٌ مِنْ الْمَعْقُولِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [البقرة: 282] بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِإِمْلَاءِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالْإِمْلَاءِ شَيْءٌ لَمَا أَمَرَ بِهِ وَالْإِمْلَاءُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ، وَأَيْضًا نَهَى عَنْ الْكِتْمَانِ وَهُوَ آيَةٌ عَلَى لُزُومِ مَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا فِي نَهْيِ الشُّهُودِ عَنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ.

وقَوْله تَعَالَى {قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] بَيَانُهُ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُمْ الْإِقْرَارَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ حُجَّةً لَمَا طَلَبَهُ. وقَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: شَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارٌ. " وقَوْله تَعَالَى {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَيْ شَاهِدٌ بِالْحَقِّ " وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَاعِزًا بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَالْغَامِدِيَّةَ بِاعْتِرَافِهَا» وَقَالَ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَأَثْبَتَ الْحَدَّ بِالِاعْتِرَافِ وَالْحَدِيثَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِقْرَارُ حُجَّةً لَمَا طَلَبَهُ وَأَثْبَتَ الْحَدَّ بِهِ وَإِذَا كَانَ حُجَّةً فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي غَيْرِهِ أَوْلَى وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى كَوْنِ الْإِقْرَارِ حُجَّةً مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ الْخَبَرَ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْأَصْلِ، لَكِنْ ظَهَرَ رُجْحَانُ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ لِوُجُودِ الدَّاعِي إلَى الصِّدْقِ وَالصَّارِفِ عَنْ الْكَذِبِ، لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَحْمِلَانِهِ عَلَى الصِّدْقِ وَيَزْجُرَانِهِ عَنْ الْكَذِبِ، وَنَفْسُهُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ رُبَّمَا تَحْمِلُهُ عَلَى الْكَذِبِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، أَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا فَصَارَ عَقْلُهُ وَدِينُهُ وَطَبْعُهُ دَوَاعِيَ إلَى الصِّدْقِ زَوَاجِرَ عَنْ الْكَذِبِ، فَكَانَ الصِّدْقُ ظَاهِرًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015