ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْإِقْرَارِ]
ِ) ذِكْرُ كِتَابِ الدَّعْوَى مَعَ ذِكْرِ مَا يَقْفُوهُ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالصُّلْحِ وَالْمُضَارَبَةِ الْوَدِيعَةِ ظَاهِرُ التَّنَاسُبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي إذَا تَوَجَّهَتْ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ، وَإِنْكَارُهُ سَبَبٌ لِلْخُصُومَةِ وَالْخُصُومَةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لِلصُّلْحِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] وَبَعْدَمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَالِ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالصُّلْحِ فَأَمْرُ صَاحِبِ الْمَالِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ مِنْهُ أَوْ لَا، فَإِنْ اسْتَرْبَحَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرْبِحَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ اسْتِرْبَاحَهُ بِنَفْسِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هُنَاكَ بِمَا قَبْلَهُ، وَذَكَرَ هَاهُنَا اسْتِرْبَاحَهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْبِحْ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْفَظَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حِفْظَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَبَقِيَ حِفْظُهُ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَدِيعَةُ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.
ثُمَّ إنَّ مَحَاسِنَ الْإِقْرَارِ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا إسْقَاطُ وَاجِبِ النَّاسِ عَنْ ذِمَّتِهِ، وَقَطْعُ أَلْسِنَتِهِمْ عَنْ مَذَمَّتِهِ. وَمِنْهَا إيصَالُ الْحَقِّ إلَى صَاحِبِهِ وَتَبْلِيغُ الْمَكْسُوبِ إلَى كَاسِبِهِ فَكَانَ فِيهِ إنْفَاعُ صَاحِبِ الْحَقِّ وَإِرْضَاءُ خَالِقِ الْخَلْقِ. وَمِنْهَا إحْمَادُ النَّاسِ الْمُقِرَّ بِصِدْقِ الْقَوْلِ وَوَصْفُهُمْ إيَّاهُ بِوَفَاءِ الْعَهْدِ وَإِنَالَةِ النَّوْلِ. ثُمَّ إنَّ هَاهُنَا احْتِيَاجًا إلَى بَيَانِ الْإِقْرَارِ لُغَةً وَشَرِيعَةً، وَبَيَانِ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَرُكْنِهِ وَحُكْمِهِ وَدَلِيلِ كَوْنِهِ حُجَّةً. أَمَّا الْإِقْرَارُ لُغَةً فَهُوَ إفْعَالٌ مِنْ قَرَّ الشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ، فَالْإِقْرَارُ إثْبَاتٌ لِمَا كَانَ مُتَزَلْزِلًا بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْجُحُودِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَأَمَّا شَرِيعَةً فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْإِقْرَارُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَارِ فَكَانَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إثْبَاتِ مَا كَانَ مُتَزَلْزِلًا. وَفِي الشَّرِيعَةِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْإِخْبَارِ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَقَدْ أَصَابَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْإِقْرَارِ لُغَةً وَلَمْ يُصِبْ فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ شَرِيعَةً. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ أَخْذَ الْإِقْرَارِ فِي تَعْرِيفِ مَعْنَى الْإِقْرَارِ لُغَةً كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى الْمُصَادَرَةِ مِمَّا يَخْتَلُّ بِهِ الْمَعْنَى، إذْ لَا مَعْنَى