وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ، إذْ بِالْأَوَّلِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلشَّاهِدِ، وَبِالثَّانِي يَبْقَى، وَبِالثَّالِثِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْقَاضِي وَلِهَذَا يُقْبَلُ إخْبَارُهَا فِي الْأَخْبَارِ، وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ مَالِكٌ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةٌ كَقَوْلِنَا وَرِوَايَةٌ كَقَوْلِهِمَا، وَقُصُورُ الرِّوَايَةِ حَتَّى إنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ مِنْهُنَّ، لَكِنْ خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ شَرْعًا فِي الْأَمْوَالِ ضَرُورَةً لِكَثْرَةِ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا فَيَلْحَقُ الْحَرَجُ بِطَلَبِ رَجُلَيْنِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ، وَكَذَا الْعَادَةُ أَنْ يُوَسَّعَ فِيمَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ. بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ أَعْظَمَ خَطَرًا أَقَلَّ وُقُوعًا فَلَا يَلْحَقُ الْحَرَجُ بِالِاشْتِرَاطِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى فِي الرَّجْعَةِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالرَّجْعَةُ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ فَأُلْحِقَتْ بَقِيَّةُ التَّوَابِعِ بِهِ كَالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْقَبُولُ) فَابْتَدَأَ بِتَضْمِينِ مَنْعِ مُقَدِّمَتِهِ الْقَائِلَةِ: الْأَصْلُ عَدَمُ الْقَبُولِ، ثُمَّ أَثْبَتَ هَذِهِ بِوُجُودِ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُشَاهَدَةُ إلَخْ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ وَالضَّبْطَ أَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ لَا أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ، بَلْ هِيَ كَمَا قَالَ فِي الْأَسْرَارِ: إنَّ أَهْلِيَّتَهَا بِالْوِلَايَةِ وَالْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَالْإِرْثِ وَالنِّسَاءُ فِي هَذَا كَالرِّجَالِ. بَقِيَ أَهْلِيَّةُ التَّحَمُّلِ وَهُوَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالضَّبْطِ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ كَالرِّجَالِ وَلِهَذَا قُبِلَتْ رِوَايَتُهُنَّ لِأَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ الْمُلْزِمَةِ لِلْأُمَّةِ.
فَعَنْ هَذَا قَدْ يُقَالُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: إنْ جَعَلَ الشَّارِعُ الثِّنْتَيْنِ فِي مَقَامِ رَجُلٍ لَيْسَ لِنُقْصَانِ الضَّبْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ لِإِظْهَارِ دَرَجَتِهِنَّ عَنْ الرِّجَالِ لَيْسَ غَيْرُ، وَلَقَدْ نَرَى كَثِيرًا مِنْ النِّسَاءِ يَضْبِطْنَ أَكْثَرَ مِنْ ضَبْطِ الرِّجَالِ لِاجْتِمَاعِ خَاطِرِهِنَّ أَكْثَرَ مِنْ الرِّجَالِ لِكَثْرَةِ الْوَارِدَاتِ عَلَى خَاطِرِ الرِّجَالِ