(وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِمَا ذَكَرْنَا.
(قَالَ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ غَيْرَ مَالٍ مِثْلُ النِّكَاحِ) وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَقْفِ وَالصُّلْحِ (وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ) وَالْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْوَلَدِ وَالْوِلَادِ وَالنَّسَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِ الضَّبْطِ وَقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِمَارَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ مِنْهُنَّ وَحْدَهُنَّ إلَّا أَنَّهَا قُبِلَتْ فِي الْأَمْوَالِ ضَرُورَةً، وَالنِّكَاحُ أَعْظَمُ خَطَرًا وَأَقَلُّ وُقُوعًا فَلَا يَلْحَقُ بِمَا هُوَ أَدْنَى خَطَرًا وَأَكْثَرُ وُجُودًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّذَانِ كَانَ مُعْظَمُ تَقْرِيرِ الشَّرْعِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ فِي زَمَانِهِمَا وَبَعْدَهُمَا مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا الِاتِّبَاعُ، وَلِأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] فَقَبُولُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ ثَلَاثَةٍ مُخَالِفٌ لِمَا نُصَّ عَلَيْهِ مِنْ الْعَدَدِ وَالْمَعْدُودِ.
وَغَايَةُ الْأَمْرِ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَ عُمُومِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَبَيَّنَ هَذِهِ فَتُقَدَّمَ هَذِهِ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ وَتِلْكَ مُبِيحَةٌ. وَأَيْضًا هَذِهِ تُفِيدُ زِيَادَةَ قَيْدٍ وَزِيَادَةُ الْقَيْدِ مِنْ طُرُقِ الدَّرْءِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَتْ قُيُودُ الشَّيْءِ قَلَّ وُجُودُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ تَقْيِيدٍ، وَلِأَنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ، وَلِذَا لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} [البقرة: 282] الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ رِجَالٍ يَشْهَدُونَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ فَاعْتُبِرَ حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ نَزَلَتْ إلَى شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ وَالشُّبْهَةُ كَالْحَقِيقَةِ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. وَسَائِرُ مَا سِوَى حَدِّ الزِّنَا مِنْ الْحُدُودِ يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ النِّسَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا
وَكَذَا الْقِصَاصُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ: أَيْ وَكُلُّ مَا سِوَى ذَلِكَ يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا أَوْ لَا كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالْعِتْقِ وَالرَّجْعَةِ وَالنَّسَبِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا كَالْإِذْنِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَالشُّفْعَةِ وَالْإِجَارَةِ وَقَتْلِ الْخَطَإِ وَكُلِّ جُرْحٍ لَا يُوجِبُ إلَّا الْمَالَ، وَكَذَا فَسْخُ الْعُقُودِ وَقَبْضُ نُجُومِ الْكِتَابَةِ إلَّا النَّجْمُ الْأَخِيرُ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِتَرَتُّبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْقَبُولِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالُ الضَّبْطِ، وَكَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ