(ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَهُ، ثُمَّ إذَا أَصَابَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ) لِأَنَّ حَاجَتَهُ هَذِهِ مُقَدَّمَةٌ وَلَمْ يُقَدِّرْ مُحَمَّدٌ بِشَيْءٍ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ.
وَقِيلَ الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ قُوتَهُ لِيَوْمٍ وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ لِشَهْرٍ وَصَاحِبُ الضِّيَاعِ لِسَنَةٍ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي مُدَّةِ وُصُولِهِمْ إلَى الْمَالِ، وَعَلَى هَذَا صَاحِبُ التِّجَارَةِ يُمْسِكُ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَصِيَّةَ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ) فَهُوَ وَصِيٌّ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ حَتَّى يَعْلَمَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ بِالْإِنَابَةِ قَبْلَهُ وَهِيَ الْوَكَالَةُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لِإِضَافَتِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ) يَعْنِي مَالَ الزَّكَاةِ عَلَى بُعْدِ ذَلِكَ (يُمْسِكُ مِنْهُ قُوتَهُ) وَيَتَصَدَّقُ بِمَا سِوَاهُ (وَإِذَا اسْتَفَادَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ وَلَمْ يُقَدِّرْ مُحَمَّدٌ) مِقْدَارًا فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ (لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ) مِنْ قِلَّةِ الْعِيَالِ أَوْ كَثْرَتِهِمْ وَالرَّخَاءِ وَالْغَلَاءِ فَيَخْتَلِفُ الِاعْتِبَارُ (وَقِيلَ الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ لِيَوْمٍ) لِأَنَّهُ يَكْتَسِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا (وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ) وَهُوَ مَنْ لَهُ حَوَانِيتُ أَوْ دُورٌ يَجْبِيهَا يُمْسِكُ (شَهْرًا) لِأَنَّ يَدَهُ تَصِلُ إلَى نَفَقَتِهِ بَعْدَ شَهْرٍ (وَصَاحِبُ الضِّيَاعِ لِسَنَةٍ) لِأَنَّ غَلَّتَهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا فِي عُرْفِ دِيَارِنَا فَبَعْضُهُمْ كَذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ يُؤَجِّرُهَا بِدَرَاهِمَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَاطٍ كُلُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قِسْطٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَ إلَى تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (وَعَلَى هَذَا فَصَاحِبُ التِّجَارَةِ يُمْسِكُ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ) .
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَهُوَ وَصِيٌّ) بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا بَاعَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْوَكِيلِ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا حَتَّى يَعْلَمَ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إنَابَةٌ) أَيْ اسْتِنَابَةٌ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ اللُّغَةِ فِي الْإِنَابَةِ إنَّمَا هُوَ مَعْنَى الرُّجُوعِ وَالْإِقْلَاعِ مِنْ أَنَابَ إلَى اللَّهِ.
وَاسْتَدَلَّ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهَا بِمَعْنَى الِاسْتِنَابَةِ بِاسْتِعْمَالِ الزَّمَخْشَرِيِّ لَهَا كَذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرُّومِ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ نَفْسُهُ يَفْعَلُ كَذَلِكَ فَيُنَزِّلُ عِلْمَ الْمُتَكَلِّمِ بِمَنْزِلَةِ رِوَايَتِهِ فَرُبَّمَا يَسْتَشْهِدُ بِبَيْتٍ لِأَبِي تَمَّامٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ (وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) بَيْنَ الْوِصَايَةِ وَالتَّوْكِيلِ (أَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافٌ) فِي التَّصَرُّفِ عَنْ الْمَيِّتِ كَالْوِرَاثَةِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوَكَالَةِ (لِإِضَافَتِهَا) إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَتَصَرَّفُ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ، وَلِذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ظَهَرَ مَوْتُ الْمُوَرِّثِ ظَهَرَ نَفَاذُهُ حِينَ صَدَرَ